مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
فاطمة مشكاةالانوار جزء 3
صفحة 1 من اصل 1
فاطمة مشكاةالانوار جزء 3
محاضرة
ليلة القدر الثالثة
الحمد للّه الذي فطر السماوات والأرض وكان نورهما ، والصلاة والسلام
على أشرف خلقه وأنوار أسمائه وصفاته محمّد وآله الطاهرين المعصومين .
وبعد :
فقد قال اللّه تعالى في محكم كتابه الكريم : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ »(1) .
المحاضرة الثانية ••• (33)
--------------------------------------------------------------------------------
في ظلال تفسير وتأويل آية النور :
لمّا بدأ الصراع بين الحقّ والباطل والنور والظلمة والخير والشرّ ، وذلك منذ
أن خلق اللّه آدم صفوته ، ثمّ أمر اللّه الملائكة أن يسجدوا له ، فأبى إبليس واستكبر
وكان من الكافرين ، ثمّ اُهبط مع آدم إلى الأرض ليكون الشيطان عدوّ الإنسان ،
وإنّ آدم يمثّل الرحمن في أسمائه وصفاته .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(34)
--------------------------------------------------------------------------------
وبدأ الصراع بين آدم وبينه الرحمانيّ ، وبين إبليس وأعوانه الشيطانيّ ،
ثمّ سبحانه وتعالى أتمّ حجّته البالغة على الخلق بالهداية العامّة والخاصّة ،
بإنزال الكتب السماويّة وإرسال الرسل ، وبعث الأنبياء ، ومن ثمّ ورثتهم الذين
أمرهم اللّه بحفظ الرسالة النبويّة السمحاء من الأوصياء والعلماء الصالحين .
وميّز الخبيث من الطيّب والمؤمن من الكافر ، وأبان الحقائق وأظهرها في كلّ
زمرة وطائفة .
ومن هذا المنطلق نرى سبحانه في سورة النور وآياته من قوله تعالى :
« اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » إلى قوله : « وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1) ، يحكي لنا مقايسة بين المؤمنين والكفّار ، بحقيقة الإيمان
الذي هو نور خاصّ وحقيقة الكفر الذي هو ظلمة وظلمات فوقها فوق بعض .
فالمؤمنون يمتازون بالهدى والنور ، وأ نّهم مهديّون بأعمالهم الصالحة إلى
نور من ربّهم ، يفيدهم ويزيدهم معرفة اللّه عزّ وجلّ ، ويسلك بهم إلى أحسن
الجزاء والفضل والكرامة من اللّه سبحانه في الدنيا والآخرة ، فإنّه يحييهم حياة
طيّبة ويجازيهم بأحسن ما عملوا ، فينكشف عن قلوبهم وأبصارهم الغطاء ،
وتتنوّر جوارحهم وجوانحهم بالنوايا الصالحة والصادقة والأعمال الطيّبة
والأفعال الحسنة . أمّا الكفّار فلا تسلك بهم أعمالهم إلاّ إلى سراب لا حقيقة له ،
وهم في ظلمات بعضها فوق بعض ولم يجعل اللّه لهم نورا وإماما صالحا فما لهم
من نور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 ـ 46 .
المحاضرة الثالثة ••• (35)
--------------------------------------------------------------------------------
ثمّ يتّصف اللّه سبحانه بالرحمة الرحمانيّة العامّة للمؤمنين والكفّار في
الدنيا ، والرحمة الرحيميّة المختصّة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة ، فبيّن في آية
النور هذه الحقيقة بأنّ له تعالى نورا عامّا وخاصّا ، والأوّل : تستنير به السماوات
والأرض ، فتظهر به في الوجود بعدما لم تكن ظاهرة فيه .
والنور تعريفه وماهيّته أ نّه الظاهر بنفسه والمظهر لغيره كالنور الحسّي .
وظهور شيء بشيء يتطلّب أن يكون المظهر ظاهرا بنفسه أيضا ، فالظاهر بذاته
المظهر لغيره هو النور . فهو سبحانه وتعالى نور ـ كما أنّ من أسمائه الحسنى النور ـ
يظهر السماوات والأرض بإشراقه عليها . كما أنّ الأنوار الحسّية تظهر الأجسام
الكثيفة للحسّ بإشراقها عليها ، إلاّ أنّ الفرق الجوهري بين النور الحسّي ونور اللّه
سبحانه : أنّ ظهور الأشياء بالنور الإلهي عين وجودها ، وظهور الأجسام الكثيفة
بالأنوار الحسيّة غير أصل وجودها . وهذا النور العامّ من الرحمة الرحمانيّة .
وأمّا الثاني أي النور الخاصّ : فإنّه الرحمة الرحيميّة يستنير به المؤمنون
ويهتدون إليه بأعمالهم الصالحة .
وهو نور العلم والمعرفة الذي ستستنير به قلوبهم وأبصارهم يوم تتقلّب فيه
القلوب والأبصار ، فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة « وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا »(1) ، فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في
الدنيا ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وما لم يخطر على قلب بشر .
ثمّ مثّل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة ، ثمّ يشتعل
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 108 .
(36) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
من زيت في غاية الصفاء والطهارة ، فتتلألأ الزجاجة كأ نّها كوكب درّي فتزيد
نورا على نور ، وهذا المصباح الإلهي النوري قد وضعه اللّه في بيوت العبادة ،
التي يسبّح فيها رجال من المؤمنين ، لا تلهيهم عن ذكر ربّهم وعبادته تجارة
ولا بيع .
فهذه صفة النور الإلهي الذي أكرم اللّه به المؤمنين وحرّمه على الكافرين ،
فتركهم في ظلمات لا يبصرون ، وهذا لطف من اللّه فمن اشتغل به وأعرض عن
الدنيا الدنيئة ، فإنّه يخصّه بنوره من عنده ، واللّه يفعل ما يشاء ، له الملك وإليه
المصير ، يحكم بما أراد ، وينزل الودق والبرد من سحاب واحد ، ويقلّب الليل
والنهار ، ويجعل من الحيوان من يمشي على بطنه ومن يمشي على رجلين ومن
يمشي على أربع ، وقد خلق الكلّ من ماء ـ كلّ هذا بقدرته وعلمه عزّ وجلّ ـ .
ثمّ التفسير بمعنى كشف القناع عن الظاهر من الألفاظ والمعاني في القرآن
الكريم ، والتأويل هو كشف القناع عن الباطن ، فإنّ القرآن يحمل بطون ، مثل سبعة
بطون ، ولكلّ بطن سبعين بطنا ، بل ويزيد إلى ما علمه عند اللّه سبحانه ، ثمّ النبيّ
قائل على التنزيل والإمام الوصيّ على التأويل ، ومن التأويل والتطبيق وبيان
المصاديق لمفاهيم القرآن الكريم ، وما يعلم تأويل القرآن إلاّ الراسخون في العلم
وهم الرسول الأعظم وخلفائه الأطهار عليهمالسلام ومن يحذو حذوهم ، الأمثل فالأمثل
الذين يقتبسون من نورهم عليهمالسلام الذي هو مظهر نور اللّه سبحانه .
وبهذا نرى أئمّتنا الصادقين عليهمالسلام قد فسّروا لنا آية النور بذكر أتمّ
المصاديق كما سيتّضح هذا المعنى من خلال عرض بعض الروايات الشريفة في
المقام .
المحاضرة الثالثة ••• (37)
--------------------------------------------------------------------------------
وأمّا تفسير مفردات آية النور :
فالنور : الضوء المنتشر الذي عيّن على الأبصار ، وذلك ضربان دنيوي
واُخروي فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الاُمور
الإلهيّة كنور العقل ونور القرآن ، ومحسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام
النيّرة كالقمرين والنجوم والنيران .
فمن النور الإلهي قوله عزّ وجلّ : « قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ »(1) ، وقال : « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ »(2) ، وقال : « وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا »(3) .. إلى أن قال : ومن النور الاُخروي
قوله : « نُورُهُمْ يَسْعَى بَـيْنَ أيْدِيهِمْ »(4) ، وقوله : « ا نْظُرُونَا نَـقْتَبِسْ مِنْ
نُورِكُمْ »(5) (6) .
والنور عند الفلاسفة : هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره .
وفي بحار الأنوار باب أنّ الأئمة الأطهار عليهمالسلام أنوار اللّه وتأويل آية النور
فيهم(7) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المائدة : 15 .
(2) الأنعام : 122 .
(3) الشورى : 52 .
(4) التحريم : 8 .
(5) الحديد : 13 .
(6) سفينة البحار 8 : 346 ، عن مفردات الراغب والبحار 61 : 303 .
(7) المصدر ، عن البحار 23 : 304 .
(38) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تفسير القمّي : عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قوله
تعالى : « فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا »(1) ، فقال : يا أبا خالد ، النور
واللّه الأئمة من آل محمّد إلى يوم القيامة ، هم واللّه نور اللّه الذي أنزل ، وهم واللّه
نور اللّه في السماوات والأرض ، واللّه يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين
أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللّه ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللّه
نورهم عمّن شاء فتظلم قلوبهم ، واللّه يا أبا خالد لا يحبّنا عبد ويتولاّنا حتّى يطهّر
اللّه قلبه ، ولا يطهّر اللّه قلب عبدٍ حتّى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا
سلّمه اللّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .
وأيضا الروايات الدالّة على أ نّهم عليهمالسلام كانوا أنوارا محدقين بالعرش في
باب النصوص عليهم عليهمالسلام (2) .
وباب بدو خلقة نور رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام (3) .
وباب أ نّهم من نور واحد(4) ، وفي اتّحاد نور الرسول والأمير محمّد
وعليّ عليهماالسلام (5) .
في الحديث النبوي الشريف : فما كان من نور عليّ عليهالسلام فصار في ولد
الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين عليهالسلام ، فهو ينتقل في الأئمة من
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التغابن : 8 .
(2) البحار 36 : 226 .
(3) البحار 15 : 2 .
(4) البحار 25 : 1 .
(5) البحار 35 : 29 .
المحاضرة الثالثة ••• (39)
--------------------------------------------------------------------------------
ولده إلى يوم القيامة(1) .
عن الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليهالسلام ، قال : إنّ اللّه إذ لا كان فخلق الكان
والمكان ، وخلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الذي
نوّرت منه الأنوار ، وهو النور الذي خلق منه محمّدا وعليّا عليهما وآلهما السلام ،
فلم يزالا نورين أوّلين ، أو لا شيء كون قبلهما فلم يزالا يجريان طاهرين مطهّرين
في الأصلاب الطاهرة حتّى افترقا في أطهر طاهرين عبد اللّه وأبي طالب عليهماالسلام (2) .
وفي البحار باب أيضا في أ نّه نزل في أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أ نّه الذكر
والنور والهدى في القرآن(3) .
عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : يا نور النور ، يا منوّر النور ، يا خالق النور ، يا مدبّر
النور ، يا مقدّر النور ، يا نور كلّ نور ، يا نورا قبل كلّ نور ، يا نورا بعد كلّ نور ،
يا نورا فوق كلّ نور ، يا نورا ليس كمثله نور(4) .
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : إنّ هذا القرآن حبل اللّه والنور المبين .
قال الإمام الحسن عليهالسلام : إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور .
قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث ، وتفقّهوا
فيه ، فإنّه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 15 : 7 و 8 ، وقد ذكرت بالتفصيل الخلق النوري للأئمة عليهمالسلام في كتاب ( الأنوار
القدسيّة ) ، مطبوع في موسوعة ( رسالات إسلاميّة ) المجلّد السابع ، فراجع .
(2) البحار 57 : 196 .
(3) البحار 35 : 394 .
(4) ميزان الحكمة 4 : 3387 .
(40) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وقال عليهالسلام في وصف النبيّ صلىاللهعليهوآله : حتّى أفضت كرامة اللّه سبحانه وتعالى إلى
محمّد صلىاللهعليهوآله ... فهو إمام من اتّقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوؤه ، وشهاب
سطع نوره ، وبرق لمعه .
وعنه عليهالسلام : إنّما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة ، يستضيء به من
ولجها .
قال الصادق عليهالسلام : ليس العلم بالتعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه
تبارك وتعالى أن يهديه .
وعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ـ في الدعاء ـ : اللهمّ اجعل لي في قلبي نورا ، وفي
لساني نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري
نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، ومن أمامي نورا ، ومن خلفي نورا ،
واجعل لي في نفسي نورا ، وأعظم لي نورا .
عن الإمام زين العابدين : وهب لي نورا أمشي به في الناس ، وأهتدي به
في الظلمات ، وأستضيء به من الشكّ والشبهات .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : طلبت نور القلب فوجدته في التفكّر والبكاء ،
وطلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة ، وطلبت نور الوجه فوجدته في
صلاة الليل .
وعن الإمام زين العابدين عليهالسلام ـ لمّا سئل عن علّة كون المتهجّدين بالليل
من أحسن الناس وجها ـ ؟ قال : لأ نّهم خلوا باللّه فكساهم اللّه من نوره .
وعن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت
قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : صلاة الليل نور . فقال ابن الكوّاء : ولا ليلة الهرير ؟ قال :
المحاضرة الثالثة ••• (41)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا ليلة الهرير .
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا .
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : الصلاة نور .
وعنه صلىاللهعليهوآله : إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة .
وعنه صلىاللهعليهوآله : عليك بتلاوة القرآن فإنّه نور لك في الأرض ، وذخر لك في
السماء .
وقال صلىاللهعليهوآله : من قرأ هذه الآية عند منامه « قُلْ إنَّمَا أ نَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ
أ نَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ »(1) ، إلى آخرها ، سطع له نور إلى المسجد الحرام ، حشو
ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتّى يصبح(2) .
إنّما ذكرت جملة من روايات النور لنقف ولو إجمالاً على معنى النور
وتفسيره وتأويله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وبيان بعض مصاديقه
كالنبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام والقرآن والعلم وصلاة الليل وما شابه ذلك ، وهذا يعني
أنّ النور كلّي تشكيكي له مراتب طوليّة وعرضيّة ، فقمّته هو النبيّ الأعظم
محمّد صلىاللهعليهوآله الذي يتجلّى فيه النور الإلهي سبحانه ، ثمّ الأمثل فالأمثل .
قال اللّه تبارك وتعالى : « يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ
بَـيْنَ أيْدِيهِمْ وَبِأيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأ نْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَـقُولُ المُـنَافِقُونَ وَالمُـنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا ا نْظُرُونَا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكهف : 110 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(42) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نَـقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُورا فَضُرِبَ بَـيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ »(1) .
عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : ثمّ يقول ـ يعني الربّ تبارك وتعالى ـ : ارفعوا
رؤوسكم ، فيرفعون رؤوسهم ، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يُعطى
نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ،
ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده ، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك ، حتّى يكون
آخرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرّة ويطفأ مرّة(2) .
وفي قوله تعالى : « أوَ مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ » قال : جاهلاً عن الحقّ
والولاية فهديناه إليها « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » قال : النور الولاية
« كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا » يعني في ولاية غير الأئمة عليهمالسلام
« كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »(3) (4) .
هذا إجمال ما أردنا بيانه في مفردة ( النور ) أمّا المفردات الاُخرى :
المشكاة : على ما ذكره الراغب وغيره : كوّة غير نافذة ، وهي ما يتّخذ في
جدار البيت من الكوّ ، لوضع بعض الأثاث ـ فهو كالرفّ يوضع عليه بعض
الأشياء ـ كالمصباح وغيره عليه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 12 ـ 13 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(3) الأنعام : 122 .
(4) البحار 23 : 309 ، الحديث 8 .
المحاضرة الثالثة ••• (43)
--------------------------------------------------------------------------------
وقيل : المشكاة : الاُنبوبة في وسط القنديل والمصباح الفتيلة المشتعلة .
والمصباح : سراج يطرد الظلمة بنوره فيجعل الموضع كالصبح ، وهو غير
الفانوس ، فيزيد عليه وعلى السراج نورا وضياءً ولمعا وبرقا .
والزجاجة : جسم شفّاف ترى الأشياء من خلفه وتعكس النور .
والدرّي : من الكواكب العظيم الكثير النور ، وهو معدود في السماء . وقال
قوم : هي أحد الخمسة المضيئة : زحل والمشتري والمرّيخ والزهرة وعطارد .
وقيل : المنسوب إلى الدرّ في صفائه وحسنه .
والزيت : الدهن المتّخذ من الزيتون .
فتبيّن أنّ النور هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، فيطلق أوّلاً على النور
الحسّي ، ثمّ يعمّم بكلّ ما ينكشف به شيء ، فيطلق على الحواسّ أ نّها نورا أو
ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس على نحو الاستعارة
أو الحقيقة الثانية ، ثمّ عمّم لغير المحسوس فعدّ العقل نورا يظهر به المعقولات ، كلّ
ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .
وقوله تعالى : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » ، لمّا كانت الأشياء الممكنة
الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد اللّه تعالى فهو علّة العلل كان هو المصداق الأتمّ
للنور ، فهو نور الأنوار ، فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء وهو وجودها
ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته يوجد ويستنير به
الأشياء .
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره القيّم ( الميزان ) :
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : « اللّهُ
(44) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » حيث اُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل
على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى اللّه منوّر
السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار
القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها تعالى اللّه عن ذلك وتقدّس .
وقيل : معنى نور السماوات والأرض أنّ اللّه هادي أهل السماوات
والأرض .
ومن ذلك يستفاد أ نّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كلّ
شىء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه
الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : « أ لَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ »(1) ، إذ لا معنى للتسبيح
والعلم به وبالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : « وَإنْ مِنْ
شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ »(2) .
فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » نوره
تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الذي يستنير به كلّ شيء وهو مساوٍ لوجود
كلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة(3) .
ومثل هذه المعاني الفلسفيّة الدقيقة يصعب فهمها على مثل اُولئك الأعراب ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 41 .
(2) الإسراء : 44 .
(3) الميزان 18 : 122 .
المحاضرة الثالثة ••• (45)
--------------------------------------------------------------------------------
فإنّهم بالأمس كانوا يعبدون الأوثان والأصنام التي يصنعونها بأيديهم من التمر
وإذا جاعوا أكلوا ربّهم ، وكانوا يئدون بناتهم ويكرهونهم على البغاء ، واليوم يطرق
أسماعهم قوله تعالى : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » .
فرفقا وهدايةً ولطفا بالناس ، يضرب اللّه الأمثال لهم حتّى ينتفع الجميع وتتمّ
الحجّة الإلهيّة . فيضرب اللّه مثلاً لنوره ، والمقصود من هذا النور الثاني هو النور
الخاصّ كما هو الظاهر ، فإنّ إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى دليل على
أنّ المراد ليس هو وصف النور الذي هو اللّه ، بل النور المستعار الذي يفيضه ليمثّل
نور اللّه ، فليس هو النور العام المستعار الذي يظهر به كلّ شيء وهو الوجود الذي
يستفيضه منه الأشياء وتتّصف به . والدليل عليه قوله بعد تتميم المثل : « يَهْدِي اللّهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »(1) .
فلو كان المراد النور العام فإنّه لم يختصّ به شيء دون شيء كما ذكرنا ،
بل المراد هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان والهداية والإمامة والمعرفة
على ما يظهر من الكلام في آيات عديدة . فإنّه نسب تعالى إلى نفسه نورا كما في
قوله : « يُرِيدُونَ لِـيُـطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأ فْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُـتِمُّ نُورِهِ »(2) ، وقوله : « أوَ
مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا »(3) ، وقوله : « يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَـتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(2) الصفّ : 8 .
(3) الأنعام : 122 .
(46) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تَمْشُونَ بِهِ »(1) ، وقوله : « أفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ »(2) ، وهذا هو النور الذي يجعله اللّه لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم
إلى ربّهم وهو نور الإيمان والمعرفة المستقاة من الرسالة والإمامة .
ثمّ العلاّمة الطباطبائي يقول : وليس المراد بالنور في خصوص هذه الآية
القرآن كما قاله بعضهم ، فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن
وبعده ، على أنّ هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله : « لَهُمْ أجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ »(3) ، وقوله : « يَـقُولُونَ ربَّـنَا أتْمِمْ لَـنَا نُورَنَا »(4) ، والقرآن ليس وصفا
لهم ، نعم إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه .
ثمّ في كلّ تشبيه لا بدّ من أركانه : من المشبّه والمشبّه به ووجه الشبه ،
فالمشبّه به ليس المشكاة وحسب ، بل مجموع ما ذكر من قوله تعالى : « كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » ، وهذا كثير في تمثيلات القرآن الكريم .
ثمّ تشبيه « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ »(5) من جهة ازدياد لمعان نور
المصباح وشروقه وانعكاسه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك
سكونا من غير اضطراب بتموّج الأهوية والأرياح ، فتكون الزجاجة حافظة
ومانعة من ضرب الأرياح ، فهي كالكوكب الدرّي في شعاعها وتلألؤ نورها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 28 .
(2) الزمر : 22 .
(3) الحديد : 19 .
(4) التحريم : 8 .
(5) النور : 35 .
المحاضرة الثالثة ••• (47)
--------------------------------------------------------------------------------
وثبات شروقها .
وقوله تعالى : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » خبر بعد خبر للمصباح ، أي المصباح يشتعل
ويستمدّ شعلته من شجرة مباركة زيتونة ، أي أ نّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ
منها ، والمراد بكون الشجرة لا شرقيّة ولا غربيّة أ نّها ليست نابتة في الجانب
الشرقي ولا في الجانب الغربي حتّى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار
ويفيء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفوا الدهن المأخوذ
منها ، فلا تجود الإضاءة ، بل هي في ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار
فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها . ويدلّ على هذا المعنى قوله تعالى : « يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » فالمراد به صفاء الدهن وكمال استعداده
للاشتعال وأنّ ذلك متفرّع على الوصفين : لا شرقيّة ولا غربيّة(1) .
وقيل : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ » أي يشتعل من دهن شجرة
مباركة ، وهي الزيتونة الشاميّة ، قيل : لأنّ زيتون الشام أبرك .
والبركة بمعنى الخير المستقرّ والمستمرّ .
وقيل : وصفت بالبركة لأنّ الزيتون يورق من أوّله إلى آخره .
وقوله : « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قيل : معناه لا شرقيّة بشروق الشمس
عليها فقط ، ولا غربيّة بغروبها عليها فقط ، بل هي شرقيّة غربيّة تأخذ حظّها من
الأمرين ، فهو أجود لزيتها . وقيل : معناه أ نّها وسط البحر . وقيل : هي ضاحية
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الميزان 15 : 134 .
(48) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
للشمس ، وقيل : ليست من شجر الدنيا .
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » أي زيتها من صفائه وحسنه
يكاد يضىء من غير أن تمسّه نار وتشتعل فيه(1) .
وقوله : « نُورٌ عَلَى نُورٍ » خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير راجع إلى نور
الزجاجة المفهوم من السياق ، والمعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور
كذلك أي في كمال الإشراق والتلمّع . وقيل : المراد من كون النور على النور هو
تضاعف النور لا تعدّده ، فليس المراد به أ نّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر
مثله ، ولا أ نّه مجموع نورين اثنين فقط ، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد
لتضاعفه . وهذا التعبير شائع في الكلام كما في قوله : « فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ
فُطُورٍ »(2) .
وهذا معنى لا يخلو من جودة ، وإن كان إرادة التعدّد أيضا لا تخلو من لطف
ودقّة ، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إلى المصباح بالأصالة والحقيقة ، فيقال
نور المصباح ، وهذا من الاستعمال الحقيقي ، ونسبة إلى الزجاجة أيضا التي على
المصباح وهذه النسبة بالاستعارة والمجاز ، فيقال نور الزجاج وهذا من
الاستعمال المجازي ، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدّد بتعدّدهما ، وإن لم يكن
بحسب الحقيقة إلاّ للمصباح ، والزجاجة فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور
غير نور المصباح وهو قائم بالمصباح ومستمدّ منه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 138 .
(2) الملك : 3 .
المحاضرة الثالثة ••• (49)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذا المعنى اللطيف والاعتبار الظريف جارٍ بعينه في الممثّل له والمشبّه به ،
فإنّه كما ذكرنا أنّ من مصاديق النور هو نور الإيمان والمعرفة ، كما أنّ من أتمّ
مصاديق المصباح كما سنذكر هو الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وأنّ الزجاجة أمير
المؤمنين عليّ عليهالسلام ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ فنور أمير المؤمنين من نور
رسول اللّه ونور الرسول من نور اللّه سبحانه ، وخلق النور من النور .
فنور الإيمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من
نوره تعالى قائم به ، مستمدّ منه .
فقد تحصّل أنّ الممثّل له هو نور اللّه المشرق على قلوب المؤمنين ، والمثل
وهو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح ، موقد من زيت جيّد صاف
وهو موضوع في مشكاة وكوّة غير نافذة ، لا يضطرب بضرب الأرياح وتموّج
الأهويّة . ثمّ نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على
المستنيرين به ، يشرق عليهم في نهاية القوّة والجودة .
فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة ، وانعكاسه إلى
جوّ البيت ، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ، للدلالة على
صفاء الدهن وجودته المؤثّر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء ،
على ما يدلّ عليه كون زيته يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ـ أي كأ نّه من كماله
يظهر كماله ، حتّى ولو لم يكن له تأثير من الخارج ـ واعتبار كون النور على النور
للدلالة على تضاعف النور ، أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في
إنارتها .
ولا يخفى أنّ هذه المعلومات ووجود الشبه ، لها تأثير في بيان المصاديق
(50) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وأحوالها وحقائقها ، يقف عليها الألمعي الذكي حين التطبيق .
وقيل : قوله « نُورٌ عَلَى نُورٍ » معناه : نور الهدى إلى توحيده ، على نور
الهدى بالبيان الذي أتى به من عنده ، وقيل معناه : يضيء بعضه بعضا ، وقيل معناه :
أ نّه يتقلّب المؤمن في خمسة أنوار : فكلامه نور ، وعلمه نور ، ومدخله نور ،
ومخرجه نور ، ومسيره نور إلى النور يوم القيامة إلى الجنّة . وقيل : ضوء النار على
ضوء النور على ضوء الزيت على ضوء المصباح على ضوء الزجاجة .
وقوله : « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » أي يهدي اللّه لدينه وإيمانه من يشاء
بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم أنّ له لطفا . وقيل : معناه يهدي اللّه
لنبوّته من يشاء ممّن يعلم أ نّه يصلح لها ، إذا كان من أهل الأعمال الصالحة
والأفعال الحسنة ، اختيارا من دون جبر وتفويض . وقيل : معناه « يَهْدِي اللّهُ
لِنُورِهِ » أي يحكم بإيمانه لمن يشاء ممّن آمن به(1) .
قال العلاّمة الطباطبائي قدسسره : قوله تعالى : « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »
استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ،
فمن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله : « مَنْ يَشَاءُ » القوم الذين ذكرهم بقوله
بعد : « رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(2) إلى آخره ، فالمراد بمن
يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم .
والمعنى أنّ اللّه إنّما هدى المتلبّسين بكمال الإيمان إلى نوره دون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 438 .
(2) النور : 37 .
المحاضرة الثالثة ••• (51)
--------------------------------------------------------------------------------
المتلبّسين بالكفر ـ الذين سيذكرهم بعد ـ لمجرّد مشيّته ، وليس المعنى أنّ اللّه
يهدي بعض الأفراد إلى نوره دون بعض بمشيّته ذلك ، حتّى يحتاج في تتميمه إلى
القول بأ نّه إنّما يشاء الهداية إذا استعدّ المحلّ إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة ،
وذلك ممّا يختصّ به أهل الإيمان دون أهل الكفر . فافهمه .
والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله : « وَللّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ »(1) إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء اللّه(2) . انتهى كلامه رفع اللّه
مقامه .
التفسير الروائي :
فما ذكرناه إنّما كان من تفسير الآية الشريفة مع رعاية الاختصار والإيجاز ،
وأمّا المذكور في تأويلها وتطبيقها ببيان المصاديق التامّة ، فنقف عليه من خلال
عرض جملة من الروايات الشريفة ، وسوف نصل إلى حقيقة ساطعة ، ألا وهي أنّ
هذه الآية في باطنها تشير إلى خصوص الأربعة عشر المعصومين عليهمالسلام وهم أنوار
اللّه المحدقون بعرشه ، وهم فاطمة الزهراء وأبوها النبيّ وبعلها الوصيّ وبنوها
الأئمّة الأحد عشر عليهمالسلام (3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 189.
(2) الميزان 15 : 135 .
(3) وهذا هو المثلّث الفاطمي المبارك ، فإنّه يتشكّل من خطّين عمودين ـ النبيّ والوصيّ ـ
زاويتهما ترمز إلى التوحيد والسير إلى اللّه سبحانه ، وخطّ اُفقي ـ الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ـ وهي
القاعدة التي تقوم عليها النبوّة والإمامة .
(52) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ في تفسير القمّي بإسناده عن طلحة بن زيد ، عن الإمام جعفر بن محمّد ،
عن أبيه الباقر عليهماالسلام في هذه الآية « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ » قال : بدء بنور
نفسه « مَثَلُ نُورِهِ » مثل هداه في قلب المؤمن « كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ »
والمصباح جوف المؤمن والقنديل في قلبه ، والمصباح النور الذي جعله في قلبه .
« يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » قال : الشجرة المؤمن « زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ » قال : على سواد الجبل لا غربيّة أي لا شرق لها ، ولا شرقيّة أي لا غرب
لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها ، وإذا غربت غربت عليها « يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ » يكاد النور الذي في قلبه يضيء وإن لم يتكلّم « نُورٌ عَلَى نُورٍ » فريضة
على فريضة ، وسنّة على سنّة « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يهدي اللّه لفرائضه
وسننه من يشاء « وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ » ، فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن . ثمّ
قال : فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور : مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه
نور ، وكلامه نور ، ومسيره يوم القيامة إلى الجنّة نور ، قلت لجعفر عليهالسلام : إنّهم
يقولون : مثل نور الربّ ، قال : سبحان اللّه ليس للّه مثل قال اللّه : « فَلا تَضْرِبُوا للّهِ
الأمْثَالَ »(1) .
قال العلاّمة الطباطبائي قدسسره : الحديث يؤيّد ما تقدّم في تفسير الآية ، وقد
اكتفى عليهالسلام في تفسير بعض فقرات الآية بذكر بعض المصاديق كالذي ذكره في
ذيل قوله : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ » وقوله « نُورٌ عَلَى نُورٍ »(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النحل : 74 .
(2) الميزان 15 : 152 .
المحاضرة الثالثة ••• (53)
--------------------------------------------------------------------------------
2 ـ وفي التوحيد للشيخ الصدوق بإسناده : روي عن الإمام الصادق عليهالسلام
أ نّه سئل عن قوله اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ » ، فقال : هو مثل ضربه اللّه لنا ، فالنبيّ والأئمة صلوات اللّه عليهم من
دلالات اللّه وآياته التي يهتدي بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام
والسنن والفرائض ، ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم .
قال الطباطبائي قدسسره : الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق وهو من
أفضل المصاديق وهو النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والطاهرون من أهل بيته عليهمالسلام ، وإلاّ فالآية تعمّ
بظاهرها غيرهم من الأنبياء عليهمالسلام والأوصياء والأولياء .
نعم ، ليست الآية بعامّة لجميع المؤمنين لأخذها في وصفهم صفات لا تعمّ
الجميع كقوله : « رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ » إلى آخره .
وقد وردت عدّة من الأخبار من طرق الشيعة في تطبيق مفردات الآية على
النبيّ صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام وهي من التطبيق دون التفسير ، ومن الدليل على ذلك
اختلافها في نحو التطبيق كرواية الكليني في روضة الكافي .
3 ـ الكافي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام وفيها : أنّ المشكاة قلب
محمّد صلىاللهعليهوآله والمصباح النور الذي فيه العلم ، والزجاجة علي أو قلبه ، والشجرة
المباركة الزيتونة التي لا شرقيّة ولا غربيّة إبراهيم عليهالسلام ما كان يهوديّا ولا نصرانيّا ،
وقوله « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ » إلخ : يكاد أولادهم أن يتكلّموا بالنبوّة ، وإن لم ينزل
عليهم ملك .
4 ـ تفسير نور الثقلين بإسناده إلى يعقوب بن سالم عن رجل عن
أبي جعفر عليهالسلام حديث طويل وفيه أنّ اللّه تعالى بعث أهل البيت عليهمالسلام بعد وفاة
(54) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
النبيّ من يعزّيهم فسمعوا صوته ولم يروا شخصه ، فكان في تعزيته : جعلكم أهل
بيت نبيّه ، واستودعكم علمه ، وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه وعصى غرّه ،
وضرب لكم مثلاً من نوره(1) .
5 ـ عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ » قال : كذلك اللّه عزّ وجلّ ، قال : قلت : « مَثَلُ نُورِهِ » قال :
محمّد صلىاللهعليهوآله . قلت : « كَمِشْكَاةٍ » قال : صدر محمّد صلىاللهعليهوآله . قلت : « فِيهَا مِصْبَاحٌ »
قال : نور العلم يعني النبوّة ، قلت : « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » ، قال : علم
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى قلب عليّ عليهالسلام . قلت : « كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » قال : لأي شيء
تقرأ كأ نّها ؟ قلت : فكيف جعلت فداك ؟ قال : ( كأ نّه ) قلت : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قال : ذاك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
عليهالسلام لا يهودي ولا نصراني . قلت : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ »
قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمّد من قبل أن ينطق به ، قلت :
« نُورٌ عَلَى نُورٍ » قال : الإمام في أثر الإمام .
6 ـ وبإسناده إلى عيسى بن راشد عن محمّد بن علي بن الحسين عليهمالسلام في قوله عزّ وجلّ : « كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ » قال : المشكاة نور العلم في صدر
النبيّ صلىاللهعليهوآله « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » الزجاجة صدر عليّ عليهالسلام صار علم النبيّ إلى
صدر عليّ ، علّم النبيّ عليّا عليهالسلام « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ » قال : نور العلم « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قال : لا يهوديّة ولا نصرانيّة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) نور الثقلين 3 : 603 .
المحاضرة الثالثة ••• (55)
--------------------------------------------------------------------------------
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » قال : يكاد العالم من آل محمّد يتكلّم
بالعلم قبل أن يسأل « نُورٌ عَلَى نُورٍ » يعني إماما مؤيّدا بنور العلم والحكمة في
أثر الإمام من آل محمّد ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة فهؤلاء الأوصياء
الذين جعلهم اللّه عزّ وجلّ خلفاء في أرضه وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض
في كلّ عصر من واحد منهم .
7 ـ وبإسناده إلى جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليهالسلام في قول اللّه عزّ وجلّ :
« اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ » فالمشكاة صدر النبيّ صلىاللهعليهوآله « فِيهَا مِصْبَاحٌ » والمصباح هو العلم « فِي زُجَاجَةٍ » والزجاجة أمير المؤمنين
عليهالسلام وعلم نبيّ اللّه عنده .
8 ـ في روضة الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال في حديث
طويل : ثمّ إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي ، وهو قول اللّه
عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ » يقول : أنا هادي السماوات والأرض
مثل العلم الذي أعطيته ، ونوري الذي يهتدى به ( مثل المشكاة فيها المصباح )
فالمشكاة قلب محمّد صلىاللهعليهوآله ، والمصباح النور الذي فيه العلم وقوله : « المِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ » يقول : إنّي اُريد أن أقبضك فأجعل الذي عندك عند الوصيّ كما يجعل
المصباح في الزجاجة « كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » فأعلمهم فضل الوصيّ ( توقد من
شجرة مباركة ) فأصل الشجرة المباركة إبراهيم صلىاللهعليهوآله وهو قول اللّه عزّ وجلّ
« رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ »(1) ، وهو قول اللّه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 73 .
(56) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
عزّ وجلّ : « إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ *
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1) « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقول : لستم
بيهود فتصلّوا قِبل المغرب ، ولا نصارى فتصلّوا قِبَل المشرق ، وأنتم على ملّة
إبراهيم صلىاللهعليهوآله وقد قال اللّه عزّ وجلّ : « مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ
كَانَ حَنِيفا مُسْلِما وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ »(2) . وقوله : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يقول : مثل أولادكم الذين
يولدون مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ
نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يكادون أن يتكلّموا بالنبوّة وإن لم
ينزل عليهم ملك .
9 ـ في أمالي الصدوق رحمهالله بإسناده إلى الصادق عليهالسلام حديث طويل يقول
فيه : أنا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت النبوّة ، وأديب السفرة
وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، وصفو
الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر .
10 ـ قال عليّ بن إبراهيم رحمهالله في قول اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ » إلى قوله تعالى : « وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » فإنّه حدّثني أبي عن
عبد اللّه بن جندب قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا صلوات اللّه عليه أسأله
عن تفسير هذه الآية ؟ فكتب إليّ الجواب : أمّا بعد فإنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان أمين اللّه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 33 ـ 34 .
(2) آل عمران : 74 .
المحاضرة الثالثة ••• (57)
--------------------------------------------------------------------------------
في خلقه ، فلمّا قبض النبيّ كنّا أهل البيت ورثته ، فنحن اُمناء اللّه في أرضه ،
عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الإسلام ، وما من فئة تضلّ مائة
وتهدي مائة إلاّ ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها ، وإنّا لنعرف الرجل إذا
رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء
آبائهم ، أخذ اللّه عزّ وجلّ علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون
مدخلنا ، ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة ، نحن الآخذون
بحجزة نبيّنا ونبيّنا الآخذ بحجزة ربّنا ، والحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا ،
من فارقنا هلك ومن تبعنا نجى ، والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ، ومتّبعنا
وتابع أوليائنا مؤمن لا يحبّنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ، فمن مات وهو يحبّنا كان
حقّا على اللّه أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا ، ومن لم يكن
منّا فليس من الإسلام في شيء ، بنا فتح اللّه الدين ، وبنا يختمه ، وبنا أطعمكم
عشب الأرض ، وبنا أنزل اللّه قطر السماء ، وبنا آمنكم اللّه عزّ وجلّ من الغرق في
بحركم ، ومن الخسف في برّكم ، وبنا نفعكم اللّه في حياتكم وفي قبوركم وفي
محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان ، مثلنا في كتاب اللّه
عزّ وجلّ ( كمثل المشكاة ) المشكاة في القنديل فنحن المشكاة « فِيهَا مِصْبَاحٌ »
المصباح محمّد صلىاللهعليهوآله « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » من عنصره « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ » ( توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ) لا دعيّة ولا منكرة
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » القرآن « نُورٌ عَلَى نُورٍ » إمام بعد
إمام « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ » فالنور عليّ صلوات اللّه عليه ، يهدي لولايتنا من أحبّ ، وحقّ على اللّه أن
(58) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
يبعث وليّنا مشرقا وجهه ، منيرا برهانه ، ظاهرة عند اللّه حجّته ، والحديث طويل
أخذنا منه موضع الحاجة .
المشكاة فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
11 ـ في اُصول الكافي بسنده عن صالح بن سهل الهمداني قال : قال
أبو عبد اللّه عليهالسلام في قول اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ » فاطمة عليهاالسلام « فِيهَا مِصْبَاحٌ » الحسن « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ »
الحسين « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا
( توقد من شجرة مباركة ) إبراهيم عليهالسلام « زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهوديّة
ولا نصرانيّة « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ » إمام منها بعد
إمام « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يهدي اللّه للأئمة عليهمالسلام من يشاء « وَيَضْرِبُ
اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ » والحديث طويل وفيه في تأويل قوله تعالى : « أوْ
كَظُلُمَاتٍ »(1) قال : الأوّل وصاحبه « يَغْشَاهُ مَوْجٌ » الثالث « مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ »
ظلمات الثاني « بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية لعنه اللّه وفتن بني اُميّة « إذَا أخْرَجَ
يَدَهُ » المؤمن في ظلمة فتنتهم « لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللّهُ لَهُ نُورا »
إماما . من ولد فاطمة عليهاالسلام « فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ » إمام يوم القيامة(2) .
12 ـ في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قالا :
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 40 .
(2) نقلنا الروايات من تفسير نور الثقلين 3 : 602 ـ 611 .
المحاضرة الثالثة ••• (59)
--------------------------------------------------------------------------------
قرأ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله هذه الآية : « فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أ
ليلة القدر الثالثة
الحمد للّه الذي فطر السماوات والأرض وكان نورهما ، والصلاة والسلام
على أشرف خلقه وأنوار أسمائه وصفاته محمّد وآله الطاهرين المعصومين .
وبعد :
فقد قال اللّه تعالى في محكم كتابه الكريم : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ »(1) .
المحاضرة الثانية ••• (33)
--------------------------------------------------------------------------------
في ظلال تفسير وتأويل آية النور :
لمّا بدأ الصراع بين الحقّ والباطل والنور والظلمة والخير والشرّ ، وذلك منذ
أن خلق اللّه آدم صفوته ، ثمّ أمر اللّه الملائكة أن يسجدوا له ، فأبى إبليس واستكبر
وكان من الكافرين ، ثمّ اُهبط مع آدم إلى الأرض ليكون الشيطان عدوّ الإنسان ،
وإنّ آدم يمثّل الرحمن في أسمائه وصفاته .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(34)
--------------------------------------------------------------------------------
وبدأ الصراع بين آدم وبينه الرحمانيّ ، وبين إبليس وأعوانه الشيطانيّ ،
ثمّ سبحانه وتعالى أتمّ حجّته البالغة على الخلق بالهداية العامّة والخاصّة ،
بإنزال الكتب السماويّة وإرسال الرسل ، وبعث الأنبياء ، ومن ثمّ ورثتهم الذين
أمرهم اللّه بحفظ الرسالة النبويّة السمحاء من الأوصياء والعلماء الصالحين .
وميّز الخبيث من الطيّب والمؤمن من الكافر ، وأبان الحقائق وأظهرها في كلّ
زمرة وطائفة .
ومن هذا المنطلق نرى سبحانه في سورة النور وآياته من قوله تعالى :
« اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » إلى قوله : « وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1) ، يحكي لنا مقايسة بين المؤمنين والكفّار ، بحقيقة الإيمان
الذي هو نور خاصّ وحقيقة الكفر الذي هو ظلمة وظلمات فوقها فوق بعض .
فالمؤمنون يمتازون بالهدى والنور ، وأ نّهم مهديّون بأعمالهم الصالحة إلى
نور من ربّهم ، يفيدهم ويزيدهم معرفة اللّه عزّ وجلّ ، ويسلك بهم إلى أحسن
الجزاء والفضل والكرامة من اللّه سبحانه في الدنيا والآخرة ، فإنّه يحييهم حياة
طيّبة ويجازيهم بأحسن ما عملوا ، فينكشف عن قلوبهم وأبصارهم الغطاء ،
وتتنوّر جوارحهم وجوانحهم بالنوايا الصالحة والصادقة والأعمال الطيّبة
والأفعال الحسنة . أمّا الكفّار فلا تسلك بهم أعمالهم إلاّ إلى سراب لا حقيقة له ،
وهم في ظلمات بعضها فوق بعض ولم يجعل اللّه لهم نورا وإماما صالحا فما لهم
من نور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 ـ 46 .
المحاضرة الثالثة ••• (35)
--------------------------------------------------------------------------------
ثمّ يتّصف اللّه سبحانه بالرحمة الرحمانيّة العامّة للمؤمنين والكفّار في
الدنيا ، والرحمة الرحيميّة المختصّة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة ، فبيّن في آية
النور هذه الحقيقة بأنّ له تعالى نورا عامّا وخاصّا ، والأوّل : تستنير به السماوات
والأرض ، فتظهر به في الوجود بعدما لم تكن ظاهرة فيه .
والنور تعريفه وماهيّته أ نّه الظاهر بنفسه والمظهر لغيره كالنور الحسّي .
وظهور شيء بشيء يتطلّب أن يكون المظهر ظاهرا بنفسه أيضا ، فالظاهر بذاته
المظهر لغيره هو النور . فهو سبحانه وتعالى نور ـ كما أنّ من أسمائه الحسنى النور ـ
يظهر السماوات والأرض بإشراقه عليها . كما أنّ الأنوار الحسّية تظهر الأجسام
الكثيفة للحسّ بإشراقها عليها ، إلاّ أنّ الفرق الجوهري بين النور الحسّي ونور اللّه
سبحانه : أنّ ظهور الأشياء بالنور الإلهي عين وجودها ، وظهور الأجسام الكثيفة
بالأنوار الحسيّة غير أصل وجودها . وهذا النور العامّ من الرحمة الرحمانيّة .
وأمّا الثاني أي النور الخاصّ : فإنّه الرحمة الرحيميّة يستنير به المؤمنون
ويهتدون إليه بأعمالهم الصالحة .
وهو نور العلم والمعرفة الذي ستستنير به قلوبهم وأبصارهم يوم تتقلّب فيه
القلوب والأبصار ، فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة « وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا »(1) ، فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في
الدنيا ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وما لم يخطر على قلب بشر .
ثمّ مثّل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة ، ثمّ يشتعل
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 108 .
(36) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
من زيت في غاية الصفاء والطهارة ، فتتلألأ الزجاجة كأ نّها كوكب درّي فتزيد
نورا على نور ، وهذا المصباح الإلهي النوري قد وضعه اللّه في بيوت العبادة ،
التي يسبّح فيها رجال من المؤمنين ، لا تلهيهم عن ذكر ربّهم وعبادته تجارة
ولا بيع .
فهذه صفة النور الإلهي الذي أكرم اللّه به المؤمنين وحرّمه على الكافرين ،
فتركهم في ظلمات لا يبصرون ، وهذا لطف من اللّه فمن اشتغل به وأعرض عن
الدنيا الدنيئة ، فإنّه يخصّه بنوره من عنده ، واللّه يفعل ما يشاء ، له الملك وإليه
المصير ، يحكم بما أراد ، وينزل الودق والبرد من سحاب واحد ، ويقلّب الليل
والنهار ، ويجعل من الحيوان من يمشي على بطنه ومن يمشي على رجلين ومن
يمشي على أربع ، وقد خلق الكلّ من ماء ـ كلّ هذا بقدرته وعلمه عزّ وجلّ ـ .
ثمّ التفسير بمعنى كشف القناع عن الظاهر من الألفاظ والمعاني في القرآن
الكريم ، والتأويل هو كشف القناع عن الباطن ، فإنّ القرآن يحمل بطون ، مثل سبعة
بطون ، ولكلّ بطن سبعين بطنا ، بل ويزيد إلى ما علمه عند اللّه سبحانه ، ثمّ النبيّ
قائل على التنزيل والإمام الوصيّ على التأويل ، ومن التأويل والتطبيق وبيان
المصاديق لمفاهيم القرآن الكريم ، وما يعلم تأويل القرآن إلاّ الراسخون في العلم
وهم الرسول الأعظم وخلفائه الأطهار عليهمالسلام ومن يحذو حذوهم ، الأمثل فالأمثل
الذين يقتبسون من نورهم عليهمالسلام الذي هو مظهر نور اللّه سبحانه .
وبهذا نرى أئمّتنا الصادقين عليهمالسلام قد فسّروا لنا آية النور بذكر أتمّ
المصاديق كما سيتّضح هذا المعنى من خلال عرض بعض الروايات الشريفة في
المقام .
المحاضرة الثالثة ••• (37)
--------------------------------------------------------------------------------
وأمّا تفسير مفردات آية النور :
فالنور : الضوء المنتشر الذي عيّن على الأبصار ، وذلك ضربان دنيوي
واُخروي فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الاُمور
الإلهيّة كنور العقل ونور القرآن ، ومحسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام
النيّرة كالقمرين والنجوم والنيران .
فمن النور الإلهي قوله عزّ وجلّ : « قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ »(1) ، وقال : « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ »(2) ، وقال : « وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا »(3) .. إلى أن قال : ومن النور الاُخروي
قوله : « نُورُهُمْ يَسْعَى بَـيْنَ أيْدِيهِمْ »(4) ، وقوله : « ا نْظُرُونَا نَـقْتَبِسْ مِنْ
نُورِكُمْ »(5) (6) .
والنور عند الفلاسفة : هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره .
وفي بحار الأنوار باب أنّ الأئمة الأطهار عليهمالسلام أنوار اللّه وتأويل آية النور
فيهم(7) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المائدة : 15 .
(2) الأنعام : 122 .
(3) الشورى : 52 .
(4) التحريم : 8 .
(5) الحديد : 13 .
(6) سفينة البحار 8 : 346 ، عن مفردات الراغب والبحار 61 : 303 .
(7) المصدر ، عن البحار 23 : 304 .
(38) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تفسير القمّي : عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قوله
تعالى : « فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا »(1) ، فقال : يا أبا خالد ، النور
واللّه الأئمة من آل محمّد إلى يوم القيامة ، هم واللّه نور اللّه الذي أنزل ، وهم واللّه
نور اللّه في السماوات والأرض ، واللّه يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين
أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللّه ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللّه
نورهم عمّن شاء فتظلم قلوبهم ، واللّه يا أبا خالد لا يحبّنا عبد ويتولاّنا حتّى يطهّر
اللّه قلبه ، ولا يطهّر اللّه قلب عبدٍ حتّى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا
سلّمه اللّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .
وأيضا الروايات الدالّة على أ نّهم عليهمالسلام كانوا أنوارا محدقين بالعرش في
باب النصوص عليهم عليهمالسلام (2) .
وباب بدو خلقة نور رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام (3) .
وباب أ نّهم من نور واحد(4) ، وفي اتّحاد نور الرسول والأمير محمّد
وعليّ عليهماالسلام (5) .
في الحديث النبوي الشريف : فما كان من نور عليّ عليهالسلام فصار في ولد
الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين عليهالسلام ، فهو ينتقل في الأئمة من
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التغابن : 8 .
(2) البحار 36 : 226 .
(3) البحار 15 : 2 .
(4) البحار 25 : 1 .
(5) البحار 35 : 29 .
المحاضرة الثالثة ••• (39)
--------------------------------------------------------------------------------
ولده إلى يوم القيامة(1) .
عن الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليهالسلام ، قال : إنّ اللّه إذ لا كان فخلق الكان
والمكان ، وخلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الذي
نوّرت منه الأنوار ، وهو النور الذي خلق منه محمّدا وعليّا عليهما وآلهما السلام ،
فلم يزالا نورين أوّلين ، أو لا شيء كون قبلهما فلم يزالا يجريان طاهرين مطهّرين
في الأصلاب الطاهرة حتّى افترقا في أطهر طاهرين عبد اللّه وأبي طالب عليهماالسلام (2) .
وفي البحار باب أيضا في أ نّه نزل في أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أ نّه الذكر
والنور والهدى في القرآن(3) .
عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : يا نور النور ، يا منوّر النور ، يا خالق النور ، يا مدبّر
النور ، يا مقدّر النور ، يا نور كلّ نور ، يا نورا قبل كلّ نور ، يا نورا بعد كلّ نور ،
يا نورا فوق كلّ نور ، يا نورا ليس كمثله نور(4) .
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : إنّ هذا القرآن حبل اللّه والنور المبين .
قال الإمام الحسن عليهالسلام : إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور .
قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث ، وتفقّهوا
فيه ، فإنّه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 15 : 7 و 8 ، وقد ذكرت بالتفصيل الخلق النوري للأئمة عليهمالسلام في كتاب ( الأنوار
القدسيّة ) ، مطبوع في موسوعة ( رسالات إسلاميّة ) المجلّد السابع ، فراجع .
(2) البحار 57 : 196 .
(3) البحار 35 : 394 .
(4) ميزان الحكمة 4 : 3387 .
(40) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وقال عليهالسلام في وصف النبيّ صلىاللهعليهوآله : حتّى أفضت كرامة اللّه سبحانه وتعالى إلى
محمّد صلىاللهعليهوآله ... فهو إمام من اتّقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوؤه ، وشهاب
سطع نوره ، وبرق لمعه .
وعنه عليهالسلام : إنّما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة ، يستضيء به من
ولجها .
قال الصادق عليهالسلام : ليس العلم بالتعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه
تبارك وتعالى أن يهديه .
وعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ـ في الدعاء ـ : اللهمّ اجعل لي في قلبي نورا ، وفي
لساني نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري
نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، ومن أمامي نورا ، ومن خلفي نورا ،
واجعل لي في نفسي نورا ، وأعظم لي نورا .
عن الإمام زين العابدين : وهب لي نورا أمشي به في الناس ، وأهتدي به
في الظلمات ، وأستضيء به من الشكّ والشبهات .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : طلبت نور القلب فوجدته في التفكّر والبكاء ،
وطلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة ، وطلبت نور الوجه فوجدته في
صلاة الليل .
وعن الإمام زين العابدين عليهالسلام ـ لمّا سئل عن علّة كون المتهجّدين بالليل
من أحسن الناس وجها ـ ؟ قال : لأ نّهم خلوا باللّه فكساهم اللّه من نوره .
وعن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت
قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : صلاة الليل نور . فقال ابن الكوّاء : ولا ليلة الهرير ؟ قال :
المحاضرة الثالثة ••• (41)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا ليلة الهرير .
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا .
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : الصلاة نور .
وعنه صلىاللهعليهوآله : إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة .
وعنه صلىاللهعليهوآله : عليك بتلاوة القرآن فإنّه نور لك في الأرض ، وذخر لك في
السماء .
وقال صلىاللهعليهوآله : من قرأ هذه الآية عند منامه « قُلْ إنَّمَا أ نَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ
أ نَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ »(1) ، إلى آخرها ، سطع له نور إلى المسجد الحرام ، حشو
ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتّى يصبح(2) .
إنّما ذكرت جملة من روايات النور لنقف ولو إجمالاً على معنى النور
وتفسيره وتأويله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وبيان بعض مصاديقه
كالنبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام والقرآن والعلم وصلاة الليل وما شابه ذلك ، وهذا يعني
أنّ النور كلّي تشكيكي له مراتب طوليّة وعرضيّة ، فقمّته هو النبيّ الأعظم
محمّد صلىاللهعليهوآله الذي يتجلّى فيه النور الإلهي سبحانه ، ثمّ الأمثل فالأمثل .
قال اللّه تبارك وتعالى : « يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ
بَـيْنَ أيْدِيهِمْ وَبِأيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأ نْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَـقُولُ المُـنَافِقُونَ وَالمُـنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا ا نْظُرُونَا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكهف : 110 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(42) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نَـقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُورا فَضُرِبَ بَـيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ »(1) .
عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : ثمّ يقول ـ يعني الربّ تبارك وتعالى ـ : ارفعوا
رؤوسكم ، فيرفعون رؤوسهم ، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يُعطى
نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ،
ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده ، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك ، حتّى يكون
آخرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرّة ويطفأ مرّة(2) .
وفي قوله تعالى : « أوَ مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ » قال : جاهلاً عن الحقّ
والولاية فهديناه إليها « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » قال : النور الولاية
« كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا » يعني في ولاية غير الأئمة عليهمالسلام
« كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »(3) (4) .
هذا إجمال ما أردنا بيانه في مفردة ( النور ) أمّا المفردات الاُخرى :
المشكاة : على ما ذكره الراغب وغيره : كوّة غير نافذة ، وهي ما يتّخذ في
جدار البيت من الكوّ ، لوضع بعض الأثاث ـ فهو كالرفّ يوضع عليه بعض
الأشياء ـ كالمصباح وغيره عليه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 12 ـ 13 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(3) الأنعام : 122 .
(4) البحار 23 : 309 ، الحديث 8 .
المحاضرة الثالثة ••• (43)
--------------------------------------------------------------------------------
وقيل : المشكاة : الاُنبوبة في وسط القنديل والمصباح الفتيلة المشتعلة .
والمصباح : سراج يطرد الظلمة بنوره فيجعل الموضع كالصبح ، وهو غير
الفانوس ، فيزيد عليه وعلى السراج نورا وضياءً ولمعا وبرقا .
والزجاجة : جسم شفّاف ترى الأشياء من خلفه وتعكس النور .
والدرّي : من الكواكب العظيم الكثير النور ، وهو معدود في السماء . وقال
قوم : هي أحد الخمسة المضيئة : زحل والمشتري والمرّيخ والزهرة وعطارد .
وقيل : المنسوب إلى الدرّ في صفائه وحسنه .
والزيت : الدهن المتّخذ من الزيتون .
فتبيّن أنّ النور هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، فيطلق أوّلاً على النور
الحسّي ، ثمّ يعمّم بكلّ ما ينكشف به شيء ، فيطلق على الحواسّ أ نّها نورا أو
ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس على نحو الاستعارة
أو الحقيقة الثانية ، ثمّ عمّم لغير المحسوس فعدّ العقل نورا يظهر به المعقولات ، كلّ
ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .
وقوله تعالى : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » ، لمّا كانت الأشياء الممكنة
الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد اللّه تعالى فهو علّة العلل كان هو المصداق الأتمّ
للنور ، فهو نور الأنوار ، فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء وهو وجودها
ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته يوجد ويستنير به
الأشياء .
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره القيّم ( الميزان ) :
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : « اللّهُ
(44) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » حيث اُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل
على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى اللّه منوّر
السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار
القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها تعالى اللّه عن ذلك وتقدّس .
وقيل : معنى نور السماوات والأرض أنّ اللّه هادي أهل السماوات
والأرض .
ومن ذلك يستفاد أ نّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كلّ
شىء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه
الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : « أ لَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ »(1) ، إذ لا معنى للتسبيح
والعلم به وبالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : « وَإنْ مِنْ
شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ »(2) .
فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » نوره
تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الذي يستنير به كلّ شيء وهو مساوٍ لوجود
كلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة(3) .
ومثل هذه المعاني الفلسفيّة الدقيقة يصعب فهمها على مثل اُولئك الأعراب ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 41 .
(2) الإسراء : 44 .
(3) الميزان 18 : 122 .
المحاضرة الثالثة ••• (45)
--------------------------------------------------------------------------------
فإنّهم بالأمس كانوا يعبدون الأوثان والأصنام التي يصنعونها بأيديهم من التمر
وإذا جاعوا أكلوا ربّهم ، وكانوا يئدون بناتهم ويكرهونهم على البغاء ، واليوم يطرق
أسماعهم قوله تعالى : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » .
فرفقا وهدايةً ولطفا بالناس ، يضرب اللّه الأمثال لهم حتّى ينتفع الجميع وتتمّ
الحجّة الإلهيّة . فيضرب اللّه مثلاً لنوره ، والمقصود من هذا النور الثاني هو النور
الخاصّ كما هو الظاهر ، فإنّ إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى دليل على
أنّ المراد ليس هو وصف النور الذي هو اللّه ، بل النور المستعار الذي يفيضه ليمثّل
نور اللّه ، فليس هو النور العام المستعار الذي يظهر به كلّ شيء وهو الوجود الذي
يستفيضه منه الأشياء وتتّصف به . والدليل عليه قوله بعد تتميم المثل : « يَهْدِي اللّهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »(1) .
فلو كان المراد النور العام فإنّه لم يختصّ به شيء دون شيء كما ذكرنا ،
بل المراد هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان والهداية والإمامة والمعرفة
على ما يظهر من الكلام في آيات عديدة . فإنّه نسب تعالى إلى نفسه نورا كما في
قوله : « يُرِيدُونَ لِـيُـطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأ فْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُـتِمُّ نُورِهِ »(2) ، وقوله : « أوَ
مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا »(3) ، وقوله : « يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَـتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(2) الصفّ : 8 .
(3) الأنعام : 122 .
(46) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تَمْشُونَ بِهِ »(1) ، وقوله : « أفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ »(2) ، وهذا هو النور الذي يجعله اللّه لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم
إلى ربّهم وهو نور الإيمان والمعرفة المستقاة من الرسالة والإمامة .
ثمّ العلاّمة الطباطبائي يقول : وليس المراد بالنور في خصوص هذه الآية
القرآن كما قاله بعضهم ، فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن
وبعده ، على أنّ هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله : « لَهُمْ أجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ »(3) ، وقوله : « يَـقُولُونَ ربَّـنَا أتْمِمْ لَـنَا نُورَنَا »(4) ، والقرآن ليس وصفا
لهم ، نعم إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه .
ثمّ في كلّ تشبيه لا بدّ من أركانه : من المشبّه والمشبّه به ووجه الشبه ،
فالمشبّه به ليس المشكاة وحسب ، بل مجموع ما ذكر من قوله تعالى : « كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » ، وهذا كثير في تمثيلات القرآن الكريم .
ثمّ تشبيه « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ »(5) من جهة ازدياد لمعان نور
المصباح وشروقه وانعكاسه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك
سكونا من غير اضطراب بتموّج الأهوية والأرياح ، فتكون الزجاجة حافظة
ومانعة من ضرب الأرياح ، فهي كالكوكب الدرّي في شعاعها وتلألؤ نورها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 28 .
(2) الزمر : 22 .
(3) الحديد : 19 .
(4) التحريم : 8 .
(5) النور : 35 .
المحاضرة الثالثة ••• (47)
--------------------------------------------------------------------------------
وثبات شروقها .
وقوله تعالى : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » خبر بعد خبر للمصباح ، أي المصباح يشتعل
ويستمدّ شعلته من شجرة مباركة زيتونة ، أي أ نّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ
منها ، والمراد بكون الشجرة لا شرقيّة ولا غربيّة أ نّها ليست نابتة في الجانب
الشرقي ولا في الجانب الغربي حتّى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار
ويفيء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفوا الدهن المأخوذ
منها ، فلا تجود الإضاءة ، بل هي في ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار
فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها . ويدلّ على هذا المعنى قوله تعالى : « يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » فالمراد به صفاء الدهن وكمال استعداده
للاشتعال وأنّ ذلك متفرّع على الوصفين : لا شرقيّة ولا غربيّة(1) .
وقيل : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ » أي يشتعل من دهن شجرة
مباركة ، وهي الزيتونة الشاميّة ، قيل : لأنّ زيتون الشام أبرك .
والبركة بمعنى الخير المستقرّ والمستمرّ .
وقيل : وصفت بالبركة لأنّ الزيتون يورق من أوّله إلى آخره .
وقوله : « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قيل : معناه لا شرقيّة بشروق الشمس
عليها فقط ، ولا غربيّة بغروبها عليها فقط ، بل هي شرقيّة غربيّة تأخذ حظّها من
الأمرين ، فهو أجود لزيتها . وقيل : معناه أ نّها وسط البحر . وقيل : هي ضاحية
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الميزان 15 : 134 .
(48) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
للشمس ، وقيل : ليست من شجر الدنيا .
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » أي زيتها من صفائه وحسنه
يكاد يضىء من غير أن تمسّه نار وتشتعل فيه(1) .
وقوله : « نُورٌ عَلَى نُورٍ » خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير راجع إلى نور
الزجاجة المفهوم من السياق ، والمعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور
كذلك أي في كمال الإشراق والتلمّع . وقيل : المراد من كون النور على النور هو
تضاعف النور لا تعدّده ، فليس المراد به أ نّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر
مثله ، ولا أ نّه مجموع نورين اثنين فقط ، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد
لتضاعفه . وهذا التعبير شائع في الكلام كما في قوله : « فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ
فُطُورٍ »(2) .
وهذا معنى لا يخلو من جودة ، وإن كان إرادة التعدّد أيضا لا تخلو من لطف
ودقّة ، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إلى المصباح بالأصالة والحقيقة ، فيقال
نور المصباح ، وهذا من الاستعمال الحقيقي ، ونسبة إلى الزجاجة أيضا التي على
المصباح وهذه النسبة بالاستعارة والمجاز ، فيقال نور الزجاج وهذا من
الاستعمال المجازي ، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدّد بتعدّدهما ، وإن لم يكن
بحسب الحقيقة إلاّ للمصباح ، والزجاجة فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور
غير نور المصباح وهو قائم بالمصباح ومستمدّ منه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 138 .
(2) الملك : 3 .
المحاضرة الثالثة ••• (49)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذا المعنى اللطيف والاعتبار الظريف جارٍ بعينه في الممثّل له والمشبّه به ،
فإنّه كما ذكرنا أنّ من مصاديق النور هو نور الإيمان والمعرفة ، كما أنّ من أتمّ
مصاديق المصباح كما سنذكر هو الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وأنّ الزجاجة أمير
المؤمنين عليّ عليهالسلام ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ فنور أمير المؤمنين من نور
رسول اللّه ونور الرسول من نور اللّه سبحانه ، وخلق النور من النور .
فنور الإيمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من
نوره تعالى قائم به ، مستمدّ منه .
فقد تحصّل أنّ الممثّل له هو نور اللّه المشرق على قلوب المؤمنين ، والمثل
وهو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح ، موقد من زيت جيّد صاف
وهو موضوع في مشكاة وكوّة غير نافذة ، لا يضطرب بضرب الأرياح وتموّج
الأهويّة . ثمّ نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على
المستنيرين به ، يشرق عليهم في نهاية القوّة والجودة .
فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة ، وانعكاسه إلى
جوّ البيت ، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ، للدلالة على
صفاء الدهن وجودته المؤثّر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء ،
على ما يدلّ عليه كون زيته يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ـ أي كأ نّه من كماله
يظهر كماله ، حتّى ولو لم يكن له تأثير من الخارج ـ واعتبار كون النور على النور
للدلالة على تضاعف النور ، أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في
إنارتها .
ولا يخفى أنّ هذه المعلومات ووجود الشبه ، لها تأثير في بيان المصاديق
(50) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وأحوالها وحقائقها ، يقف عليها الألمعي الذكي حين التطبيق .
وقيل : قوله « نُورٌ عَلَى نُورٍ » معناه : نور الهدى إلى توحيده ، على نور
الهدى بالبيان الذي أتى به من عنده ، وقيل معناه : يضيء بعضه بعضا ، وقيل معناه :
أ نّه يتقلّب المؤمن في خمسة أنوار : فكلامه نور ، وعلمه نور ، ومدخله نور ،
ومخرجه نور ، ومسيره نور إلى النور يوم القيامة إلى الجنّة . وقيل : ضوء النار على
ضوء النور على ضوء الزيت على ضوء المصباح على ضوء الزجاجة .
وقوله : « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » أي يهدي اللّه لدينه وإيمانه من يشاء
بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم أنّ له لطفا . وقيل : معناه يهدي اللّه
لنبوّته من يشاء ممّن يعلم أ نّه يصلح لها ، إذا كان من أهل الأعمال الصالحة
والأفعال الحسنة ، اختيارا من دون جبر وتفويض . وقيل : معناه « يَهْدِي اللّهُ
لِنُورِهِ » أي يحكم بإيمانه لمن يشاء ممّن آمن به(1) .
قال العلاّمة الطباطبائي قدسسره : قوله تعالى : « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »
استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ،
فمن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله : « مَنْ يَشَاءُ » القوم الذين ذكرهم بقوله
بعد : « رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(2) إلى آخره ، فالمراد بمن
يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم .
والمعنى أنّ اللّه إنّما هدى المتلبّسين بكمال الإيمان إلى نوره دون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 438 .
(2) النور : 37 .
المحاضرة الثالثة ••• (51)
--------------------------------------------------------------------------------
المتلبّسين بالكفر ـ الذين سيذكرهم بعد ـ لمجرّد مشيّته ، وليس المعنى أنّ اللّه
يهدي بعض الأفراد إلى نوره دون بعض بمشيّته ذلك ، حتّى يحتاج في تتميمه إلى
القول بأ نّه إنّما يشاء الهداية إذا استعدّ المحلّ إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة ،
وذلك ممّا يختصّ به أهل الإيمان دون أهل الكفر . فافهمه .
والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله : « وَللّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ »(1) إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء اللّه(2) . انتهى كلامه رفع اللّه
مقامه .
التفسير الروائي :
فما ذكرناه إنّما كان من تفسير الآية الشريفة مع رعاية الاختصار والإيجاز ،
وأمّا المذكور في تأويلها وتطبيقها ببيان المصاديق التامّة ، فنقف عليه من خلال
عرض جملة من الروايات الشريفة ، وسوف نصل إلى حقيقة ساطعة ، ألا وهي أنّ
هذه الآية في باطنها تشير إلى خصوص الأربعة عشر المعصومين عليهمالسلام وهم أنوار
اللّه المحدقون بعرشه ، وهم فاطمة الزهراء وأبوها النبيّ وبعلها الوصيّ وبنوها
الأئمّة الأحد عشر عليهمالسلام (3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 189.
(2) الميزان 15 : 135 .
(3) وهذا هو المثلّث الفاطمي المبارك ، فإنّه يتشكّل من خطّين عمودين ـ النبيّ والوصيّ ـ
زاويتهما ترمز إلى التوحيد والسير إلى اللّه سبحانه ، وخطّ اُفقي ـ الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ـ وهي
القاعدة التي تقوم عليها النبوّة والإمامة .
(52) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ في تفسير القمّي بإسناده عن طلحة بن زيد ، عن الإمام جعفر بن محمّد ،
عن أبيه الباقر عليهماالسلام في هذه الآية « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ » قال : بدء بنور
نفسه « مَثَلُ نُورِهِ » مثل هداه في قلب المؤمن « كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ »
والمصباح جوف المؤمن والقنديل في قلبه ، والمصباح النور الذي جعله في قلبه .
« يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » قال : الشجرة المؤمن « زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ » قال : على سواد الجبل لا غربيّة أي لا شرق لها ، ولا شرقيّة أي لا غرب
لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها ، وإذا غربت غربت عليها « يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ » يكاد النور الذي في قلبه يضيء وإن لم يتكلّم « نُورٌ عَلَى نُورٍ » فريضة
على فريضة ، وسنّة على سنّة « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يهدي اللّه لفرائضه
وسننه من يشاء « وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ » ، فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن . ثمّ
قال : فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور : مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه
نور ، وكلامه نور ، ومسيره يوم القيامة إلى الجنّة نور ، قلت لجعفر عليهالسلام : إنّهم
يقولون : مثل نور الربّ ، قال : سبحان اللّه ليس للّه مثل قال اللّه : « فَلا تَضْرِبُوا للّهِ
الأمْثَالَ »(1) .
قال العلاّمة الطباطبائي قدسسره : الحديث يؤيّد ما تقدّم في تفسير الآية ، وقد
اكتفى عليهالسلام في تفسير بعض فقرات الآية بذكر بعض المصاديق كالذي ذكره في
ذيل قوله : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ » وقوله « نُورٌ عَلَى نُورٍ »(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النحل : 74 .
(2) الميزان 15 : 152 .
المحاضرة الثالثة ••• (53)
--------------------------------------------------------------------------------
2 ـ وفي التوحيد للشيخ الصدوق بإسناده : روي عن الإمام الصادق عليهالسلام
أ نّه سئل عن قوله اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ » ، فقال : هو مثل ضربه اللّه لنا ، فالنبيّ والأئمة صلوات اللّه عليهم من
دلالات اللّه وآياته التي يهتدي بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام
والسنن والفرائض ، ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم .
قال الطباطبائي قدسسره : الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق وهو من
أفضل المصاديق وهو النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والطاهرون من أهل بيته عليهمالسلام ، وإلاّ فالآية تعمّ
بظاهرها غيرهم من الأنبياء عليهمالسلام والأوصياء والأولياء .
نعم ، ليست الآية بعامّة لجميع المؤمنين لأخذها في وصفهم صفات لا تعمّ
الجميع كقوله : « رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ » إلى آخره .
وقد وردت عدّة من الأخبار من طرق الشيعة في تطبيق مفردات الآية على
النبيّ صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام وهي من التطبيق دون التفسير ، ومن الدليل على ذلك
اختلافها في نحو التطبيق كرواية الكليني في روضة الكافي .
3 ـ الكافي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام وفيها : أنّ المشكاة قلب
محمّد صلىاللهعليهوآله والمصباح النور الذي فيه العلم ، والزجاجة علي أو قلبه ، والشجرة
المباركة الزيتونة التي لا شرقيّة ولا غربيّة إبراهيم عليهالسلام ما كان يهوديّا ولا نصرانيّا ،
وقوله « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ » إلخ : يكاد أولادهم أن يتكلّموا بالنبوّة ، وإن لم ينزل
عليهم ملك .
4 ـ تفسير نور الثقلين بإسناده إلى يعقوب بن سالم عن رجل عن
أبي جعفر عليهالسلام حديث طويل وفيه أنّ اللّه تعالى بعث أهل البيت عليهمالسلام بعد وفاة
(54) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
النبيّ من يعزّيهم فسمعوا صوته ولم يروا شخصه ، فكان في تعزيته : جعلكم أهل
بيت نبيّه ، واستودعكم علمه ، وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه وعصى غرّه ،
وضرب لكم مثلاً من نوره(1) .
5 ـ عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ » قال : كذلك اللّه عزّ وجلّ ، قال : قلت : « مَثَلُ نُورِهِ » قال :
محمّد صلىاللهعليهوآله . قلت : « كَمِشْكَاةٍ » قال : صدر محمّد صلىاللهعليهوآله . قلت : « فِيهَا مِصْبَاحٌ »
قال : نور العلم يعني النبوّة ، قلت : « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » ، قال : علم
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى قلب عليّ عليهالسلام . قلت : « كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » قال : لأي شيء
تقرأ كأ نّها ؟ قلت : فكيف جعلت فداك ؟ قال : ( كأ نّه ) قلت : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قال : ذاك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
عليهالسلام لا يهودي ولا نصراني . قلت : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ »
قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمّد من قبل أن ينطق به ، قلت :
« نُورٌ عَلَى نُورٍ » قال : الإمام في أثر الإمام .
6 ـ وبإسناده إلى عيسى بن راشد عن محمّد بن علي بن الحسين عليهمالسلام في قوله عزّ وجلّ : « كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ » قال : المشكاة نور العلم في صدر
النبيّ صلىاللهعليهوآله « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » الزجاجة صدر عليّ عليهالسلام صار علم النبيّ إلى
صدر عليّ ، علّم النبيّ عليّا عليهالسلام « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ » قال : نور العلم « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قال : لا يهوديّة ولا نصرانيّة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) نور الثقلين 3 : 603 .
المحاضرة الثالثة ••• (55)
--------------------------------------------------------------------------------
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » قال : يكاد العالم من آل محمّد يتكلّم
بالعلم قبل أن يسأل « نُورٌ عَلَى نُورٍ » يعني إماما مؤيّدا بنور العلم والحكمة في
أثر الإمام من آل محمّد ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة فهؤلاء الأوصياء
الذين جعلهم اللّه عزّ وجلّ خلفاء في أرضه وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض
في كلّ عصر من واحد منهم .
7 ـ وبإسناده إلى جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليهالسلام في قول اللّه عزّ وجلّ :
« اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ » فالمشكاة صدر النبيّ صلىاللهعليهوآله « فِيهَا مِصْبَاحٌ » والمصباح هو العلم « فِي زُجَاجَةٍ » والزجاجة أمير المؤمنين
عليهالسلام وعلم نبيّ اللّه عنده .
8 ـ في روضة الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال في حديث
طويل : ثمّ إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي ، وهو قول اللّه
عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ » يقول : أنا هادي السماوات والأرض
مثل العلم الذي أعطيته ، ونوري الذي يهتدى به ( مثل المشكاة فيها المصباح )
فالمشكاة قلب محمّد صلىاللهعليهوآله ، والمصباح النور الذي فيه العلم وقوله : « المِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ » يقول : إنّي اُريد أن أقبضك فأجعل الذي عندك عند الوصيّ كما يجعل
المصباح في الزجاجة « كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » فأعلمهم فضل الوصيّ ( توقد من
شجرة مباركة ) فأصل الشجرة المباركة إبراهيم صلىاللهعليهوآله وهو قول اللّه عزّ وجلّ
« رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ »(1) ، وهو قول اللّه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 73 .
(56) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
عزّ وجلّ : « إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ *
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1) « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقول : لستم
بيهود فتصلّوا قِبل المغرب ، ولا نصارى فتصلّوا قِبَل المشرق ، وأنتم على ملّة
إبراهيم صلىاللهعليهوآله وقد قال اللّه عزّ وجلّ : « مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ
كَانَ حَنِيفا مُسْلِما وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ »(2) . وقوله : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يقول : مثل أولادكم الذين
يولدون مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ
نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يكادون أن يتكلّموا بالنبوّة وإن لم
ينزل عليهم ملك .
9 ـ في أمالي الصدوق رحمهالله بإسناده إلى الصادق عليهالسلام حديث طويل يقول
فيه : أنا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت النبوّة ، وأديب السفرة
وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، وصفو
الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر .
10 ـ قال عليّ بن إبراهيم رحمهالله في قول اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ » إلى قوله تعالى : « وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » فإنّه حدّثني أبي عن
عبد اللّه بن جندب قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا صلوات اللّه عليه أسأله
عن تفسير هذه الآية ؟ فكتب إليّ الجواب : أمّا بعد فإنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان أمين اللّه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 33 ـ 34 .
(2) آل عمران : 74 .
المحاضرة الثالثة ••• (57)
--------------------------------------------------------------------------------
في خلقه ، فلمّا قبض النبيّ كنّا أهل البيت ورثته ، فنحن اُمناء اللّه في أرضه ،
عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الإسلام ، وما من فئة تضلّ مائة
وتهدي مائة إلاّ ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها ، وإنّا لنعرف الرجل إذا
رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء
آبائهم ، أخذ اللّه عزّ وجلّ علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون
مدخلنا ، ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة ، نحن الآخذون
بحجزة نبيّنا ونبيّنا الآخذ بحجزة ربّنا ، والحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا ،
من فارقنا هلك ومن تبعنا نجى ، والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ، ومتّبعنا
وتابع أوليائنا مؤمن لا يحبّنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ، فمن مات وهو يحبّنا كان
حقّا على اللّه أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا ، ومن لم يكن
منّا فليس من الإسلام في شيء ، بنا فتح اللّه الدين ، وبنا يختمه ، وبنا أطعمكم
عشب الأرض ، وبنا أنزل اللّه قطر السماء ، وبنا آمنكم اللّه عزّ وجلّ من الغرق في
بحركم ، ومن الخسف في برّكم ، وبنا نفعكم اللّه في حياتكم وفي قبوركم وفي
محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان ، مثلنا في كتاب اللّه
عزّ وجلّ ( كمثل المشكاة ) المشكاة في القنديل فنحن المشكاة « فِيهَا مِصْبَاحٌ »
المصباح محمّد صلىاللهعليهوآله « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » من عنصره « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ » ( توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ) لا دعيّة ولا منكرة
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » القرآن « نُورٌ عَلَى نُورٍ » إمام بعد
إمام « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ » فالنور عليّ صلوات اللّه عليه ، يهدي لولايتنا من أحبّ ، وحقّ على اللّه أن
(58) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
يبعث وليّنا مشرقا وجهه ، منيرا برهانه ، ظاهرة عند اللّه حجّته ، والحديث طويل
أخذنا منه موضع الحاجة .
المشكاة فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
11 ـ في اُصول الكافي بسنده عن صالح بن سهل الهمداني قال : قال
أبو عبد اللّه عليهالسلام في قول اللّه عزّ وجلّ : « اللّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ » فاطمة عليهاالسلام « فِيهَا مِصْبَاحٌ » الحسن « المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ »
الحسين « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا
( توقد من شجرة مباركة ) إبراهيم عليهالسلام « زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهوديّة
ولا نصرانيّة « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ » إمام منها بعد
إمام « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » يهدي اللّه للأئمة عليهمالسلام من يشاء « وَيَضْرِبُ
اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ » والحديث طويل وفيه في تأويل قوله تعالى : « أوْ
كَظُلُمَاتٍ »(1) قال : الأوّل وصاحبه « يَغْشَاهُ مَوْجٌ » الثالث « مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ »
ظلمات الثاني « بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية لعنه اللّه وفتن بني اُميّة « إذَا أخْرَجَ
يَدَهُ » المؤمن في ظلمة فتنتهم « لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللّهُ لَهُ نُورا »
إماما . من ولد فاطمة عليهاالسلام « فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ » إمام يوم القيامة(2) .
12 ـ في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قالا :
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 40 .
(2) نقلنا الروايات من تفسير نور الثقلين 3 : 602 ـ 611 .
المحاضرة الثالثة ••• (59)
--------------------------------------------------------------------------------
قرأ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله هذه الآية : « فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت نوفمبر 12, 2011 4:27 am من طرف يتيم فاطمة
» تِلكُم أمّ أبيها
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:28 pm من طرف يتيم فاطمة
» شذرات نبويّة.. على جبين فاطمة عليها السّلام
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:26 pm من طرف يتيم فاطمة
» يوم الوقت المعلوم
الإثنين يوليو 04, 2011 10:14 pm من طرف يتيم فاطمة
» اشراقات حسينية في الثورة المهدوية
الإثنين يوليو 04, 2011 10:09 pm من طرف يتيم فاطمة
» ملامح الدولة العالمية على يد الإمام المهدي عليه السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 10:07 pm من طرف يتيم فاطمة
» أسماء وألقاب السيدة المعصومة
الإثنين يوليو 04, 2011 10:03 pm من طرف يتيم فاطمة
» علم السيدة المعصومة عليها السلام ومعرفتها
الإثنين يوليو 04, 2011 10:01 pm من طرف يتيم فاطمة
» ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 9:58 pm من طرف يتيم فاطمة