بحـث
المواضيع الأخيرة
الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
صفحة 1 من اصل 1
الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
بسم اللّه الرحمن الرحيم(1)
الحمد للّه فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء
العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين ، سيّد الأنبياء والمرسلين ، حبيب
اللّه وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى
أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري
فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين .
قال اللّه تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم :
« إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهيرا »(2) .
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله :
« لو كان الحُسن شخصا لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل
الأرض عنصرا وشرفا وكرما »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كتبت هذه الرسالة مقدّمةً لكتاب ( الأسرار الفاطميّة ) بقلم سماحة الشيخ محمّد فاضل
المسعودي .
(2) الأحزاب : 33 .
(3) فرائد السمطين 2 : 68 .
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
الحديث عن الزهراء عليهاالسلام إنّما هو حديث عمّـا سوى اللّه سبحانه ، فهي
الكون الجامع بل الحديث عنها حديث عن اللّه سبحانه لوحدة الرضا والغضب
بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، واللّه المحسن وهو الجميل
ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصا لكان
فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال اللّه وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل
الأرض عنصرا ، فإنّها نور اللّه جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في
القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ،
وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي
في رياضها محبورا ، ثمّ أودعه اللّه في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ،
حتّى إذا عرج النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ،
فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليهاالسلام ، فتحوّلت نورا في صلبه ، ثمّ هبط إلى
الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان
النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة .
ففاطمة عليهاالسلام من صلب خاتم النبيّين وأشرف خلق اللّه أجمعين محمّد
المصطفى صلىاللهعليهوآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليهالسلام .
فهي خير أهل الأرض عنصرا ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاما ، وأكرم منزلاً .
فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت
حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن
اُمّها ، وقال جبرئيل عنها أ نّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت
بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة
المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ،
(4) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
اُمّ أبيها ، اُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون
السادسى . ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر .
والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ،
وكان ميّتا يمشي بين الأحياء . وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ
حيّزا كبيرا في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي
هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ
الأوفر على مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على
البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل
الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف :
« أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة »(1) .
فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقا ، بل جاء عن الإمام
الصادق عليهالسلام :
« لا يقبل اللّه عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على
العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2) .
فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام لكميل
ابن زياد :
« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 3 : 14 .
(2) الكافي 1 : 44 .
(3) ؟؟؟ .
مقدّمة ••• (5)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركا صحيحا وفهما
كاملاً ، بدراسات حقّة ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء
البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة .
فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة
الإنسان بمعرفته .
يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليهماالسلام :
« يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي
الدراية للرواية » .
فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهمالسلام ، والدراية تفقّه الحديث
وفهمه :
« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان » .
و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه » .
و «قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته » .
فالواجب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ
فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية .
فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة
البشريّة ، وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول
الدين بالبرهان واليقين ، وبدءا بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة .
ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فمن عرفها حقّ
معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر . ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ
الخلق فطموا عن معرفتها .
(6) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
فمن يعرفها ؟ ! وعلى معرفتها دارت القرون السادسى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ
حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها(1) .
ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ،
ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليهاالسلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفوا لها ،
فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ورسول اللّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّ
الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها
والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّا إلاّ اللّه ورسوله ووصيّه عليهماالسلام .
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ
الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة
النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ووعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة اللّه الكبرى ،
وآية اللّه العظمى .
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه
الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد
والسيّد المرتضى .
كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهدا آية
التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور
الشمس .
والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في
نفس المعصوم عليهالسلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات .
مقدّمة ••• (7)
--------------------------------------------------------------------------------
الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان
معصوما في دهره لا يصدر منه الشين مطلقا .
وفاطمة الزهراء عليهاالسلام إنّها المعصومة بعصمة اللّه سبحانه ، كما عصم أولادها
الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول اللّه لن يفترقا
في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة .
مفطومة من زلل الأهواءِ معصومةٌ من وصمة الخطاءِ فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليهاالسلام ، ولمّـا كان الأذان والأقامة للصلوات
اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّـا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ،
بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته
للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد اللّه ، كما يؤمن برسول اللّه ونبوّته ،
ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة اللّه ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده
الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن
معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهمالسلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة
الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ،
ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ،
وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة .
فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء
عصمة اللّه )(1) مرّتان أو مرّة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد
--------------------------------------------------------------------------------
(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية اللّه الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه
في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ذات
عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نصّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليهاالسلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليهاالسلام جوهرة قدسيّة في
تعيّنٍ إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة اللّه الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة
ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كلّ ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو والنسيان
ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى
وزوجة وليّ اللّه وكلمة اللّه التامّة فاطمة عليهاالسلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان
والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : ( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول اللّه عصمة اللّه الكبرى ) ،
ونحوها .
( ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
أنّ عليّا وليّ اللّه وأنّ فاطمة الزهراء عصمة اللّه ) ، فتدبّر .
وممّـا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء
والأوصياء عليهمالسلام أنّ اللّه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضا عند
الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ اللّه سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه :
« وَإذْ ذَهَبَ ذا النُّونِ مُغاضِبا فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » .
ولكن يغضب لغضب فاطمة عليهاالسلام .
ثمّ لا تجد معصوما تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، ولولا عليّ لما
كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ
الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير المعصوم قوّاما على المعصومة ، ومن
خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول اللّه محمّد صلىاللهعليهوآله هو
زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين
والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا
يتزوّجها إلاّ المعصوم عليهماالسلام .
مقدّمة ••• (9)
--------------------------------------------------------------------------------
وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من السادسين والآخرين في الدنيا
والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة
المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهمالسلام .
وربّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ
الأنفس فداها .
« فداها أبوها » .
وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف
بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من
البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان .
وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها
وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه
معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند
الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب
وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليهاالسلام حقيقة ليلة القدر ،
حقيقة الكون وما فيه .
واللّه سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت
ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى
يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت .
ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوسا نزوليّا وصعوديّا ، وقد عبّر عن
القوس النزولي في نزول فيض اللّه ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن
القوس الصعودي باليوم والأيام .
(10) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
وعصمة اللّه فاطمة الزهراء عليهاالسلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم اللّه .
والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر
قرآنا ناطقا في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ
من ألف شهر ، أي ألف مؤمن . فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ،
والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمّد عليهمالسلام وأسرارهم ، وروح القدس
فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتّى مطلع فجر قائم
آل محمّد عليهمالسلام (1) .
وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع
القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر
الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ
طيلة ثلاث وعشرين عاما ينزل تدريجا .
فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه
هي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ
فاطمة عليهاالسلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ،
فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع .
فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ،
وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية .
فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليهاالسلام بما هي هي ، وبما تحمل في
ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ) .
مقدّمة ••• (11)
--------------------------------------------------------------------------------
مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلها عليهماالسلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله إجلالاً
ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها
ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً .
وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة
والأسرار العلويّة .
فمن هي ؟
هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير
والوحوش .
هي التي لا يذكر اللّه الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة
من مناقبها إجلالاً وتكريما وتعظيما لها .
هي الكوثر التي خصّها اللّه بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل
محمّد عليهمالسلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين والأئمة المعصومين عليهمالسلام .
هي التي اشتقّ اسمها من اسم اللّه فكان فاطرا وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة
السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت
ضربة عليّ عليهالسلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ
عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّ عليهماالسلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان
لعليّ ما لرسول اللّه إلاّ النبوّة .
والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العطمى ، فتكون
أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي
نور المُهج وحجّة الحجج ...
وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول اللّه ، ومن آذاها
(12) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
فقد آذى رسول اللّه ، ومن آذى رسول اللّه فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه ورسوله ،
فعليه لعنة اللّه أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ
لتعرف على من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
أصفاها اللّه وطهّرها تطهيرا ، فهي سيّدة نساء العالمين من السادسين
والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف
جارية من الحور العين .
هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها
ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط
والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار .
فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل
لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها
ومثالب أعدائها .
ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(1) الواردة بسند صحيح عن الإمام
الهادي عليهالسلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أ نّها
تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم عليهالسلام بمعرفة
مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار عليهمالسلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات
الزيارة ومفرداتها .
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أ نّها
موضع سرّ اللّه وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة اللّه على الخلق ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع .
مقدّمة ••• (13)
--------------------------------------------------------------------------------
وفاطمة الزهراء عليهاالسلام هي حجّة اللّه على حجج اللّه ، كما ورد عن الإمام
العسكري عليهالسلام :
« نحن حجج اللّه على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة اللّه علينا » .
ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه الشريف :
« ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة » .
فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمة عليهمالسلام .
إنّها عليهاالسلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها :
« فاطمة روحي التي بين جنبيّ » .
وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ
بعلمه وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي
روحه التي بين جنبيه .
ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد
في الخبر النبويّ الشريف :
« ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية » .
مطلقا التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية
والأرضية . كما ورد :
« ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك » .
وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير
المؤمنين عليّ عليهالسلام ، فالزهراء عليهاالسلام يعني رسول اللّه وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة
والولاية ، وهيمجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور
اللّه في سورة النور وآيته :
(14) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
« اللّهُ نورُ السَّماوات وَالأرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاةٍ » .
بأ نّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا
المشكاة نور رسول اللّه وأمير المؤمنين عليهماالسلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي
اللّه لنوره من يشاء .
فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع
فيها )(1) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل
أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا
المعلول المقدّس لما خلق اللّه النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :
« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما
خلقتكما » .
ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء ...
والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته
وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر
ازدهرت السماوات والأرض ، فاللّه الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها
الأزهر ...
ولمثل هذه الخصائص القدسيّة كان النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله يقول : فداها أبوها .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك
بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين
لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيد عليهالسلام الذي سقط بين
الباب والجدار . وليت الكاتب الجليل أشار إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء .
مقدّمة ••• (15)
--------------------------------------------------------------------------------
مشكاة نور اللّه جلّ جلاله زيتونة عمّ الورى بركاتها
هي قطب دائرة الوجود ونقطة لمّـا تنزّلت أكثر كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها هي عنصر التوحيد في عرصاتها
ــــــــــ
فاطمةً خيرَ نساء البشر ومن لها وجه كوجه القمرِ فضّلك اللّه على كلّ الورى بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ
زوّجك اللّه فتىً فاضلاً أعني عليّا خير من في الحضرِ
ــــــــــ
وأخيرا عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، قال :
« فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من
ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه
هوى »(1) .
هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع
فضيلة مروّج الأحكام حجّة الإسلام الكاتب المعتمد والمؤلف السند الخطيب
الكامل الشيخ محمّد فاضل المسعودي دام موفّقا .
وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغا في
المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ،
بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ
فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره ، وكثّر اللّه من أمثاله .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) فرائد السمطين 2 : 66 .
(16) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه
( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد اللّه يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من
طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة .
وقد سألت اللّه في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ،
لا سيّما اُولئك الذين حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين
والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف
والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات
الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم اللّه في
الدارين .
وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأتعاب ضياعا ، بل
بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكُلها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير
المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق ...
والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة
النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لا سيّما وهذه
الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار
والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيت عليهمالسلام ، وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ،
والعجب أ نّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة ! !
ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علينا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى .
ألا أ نّهم أرادوا أن يطفئوا نور اللّه ، واللّه متمّ نوره ولو كره المشركون
والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء
والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصّة في قربى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله .
مقدّمة ••• (17)
--------------------------------------------------------------------------------
أسأل اللّه سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ،
ويوفّقهم لما فيه الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر
معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة .
عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح
دعواتهم الطيّبة .
فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا
فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليم ، والسلام
عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن
ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات
العبد
عادل العلوي
قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة
(18) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
الحمد للّه فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء
العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين ، سيّد الأنبياء والمرسلين ، حبيب
اللّه وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى
أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري
فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين .
قال اللّه تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم :
« إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهيرا »(2) .
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله :
« لو كان الحُسن شخصا لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل
الأرض عنصرا وشرفا وكرما »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كتبت هذه الرسالة مقدّمةً لكتاب ( الأسرار الفاطميّة ) بقلم سماحة الشيخ محمّد فاضل
المسعودي .
(2) الأحزاب : 33 .
(3) فرائد السمطين 2 : 68 .
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
الحديث عن الزهراء عليهاالسلام إنّما هو حديث عمّـا سوى اللّه سبحانه ، فهي
الكون الجامع بل الحديث عنها حديث عن اللّه سبحانه لوحدة الرضا والغضب
بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، واللّه المحسن وهو الجميل
ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصا لكان
فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال اللّه وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل
الأرض عنصرا ، فإنّها نور اللّه جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في
القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ،
وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي
في رياضها محبورا ، ثمّ أودعه اللّه في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ،
حتّى إذا عرج النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ،
فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليهاالسلام ، فتحوّلت نورا في صلبه ، ثمّ هبط إلى
الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان
النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة .
ففاطمة عليهاالسلام من صلب خاتم النبيّين وأشرف خلق اللّه أجمعين محمّد
المصطفى صلىاللهعليهوآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليهالسلام .
فهي خير أهل الأرض عنصرا ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاما ، وأكرم منزلاً .
فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت
حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن
اُمّها ، وقال جبرئيل عنها أ نّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت
بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة
المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ،
(4) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
اُمّ أبيها ، اُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون
السادسى . ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر .
والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ،
وكان ميّتا يمشي بين الأحياء . وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ
حيّزا كبيرا في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي
هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ
الأوفر على مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على
البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل
الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف :
« أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة »(1) .
فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقا ، بل جاء عن الإمام
الصادق عليهالسلام :
« لا يقبل اللّه عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على
العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2) .
فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام لكميل
ابن زياد :
« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 3 : 14 .
(2) الكافي 1 : 44 .
(3) ؟؟؟ .
مقدّمة ••• (5)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركا صحيحا وفهما
كاملاً ، بدراسات حقّة ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء
البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة .
فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة
الإنسان بمعرفته .
يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليهماالسلام :
« يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي
الدراية للرواية » .
فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهمالسلام ، والدراية تفقّه الحديث
وفهمه :
« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان » .
و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه » .
و «قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته » .
فالواجب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ
فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية .
فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة
البشريّة ، وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول
الدين بالبرهان واليقين ، وبدءا بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة .
ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فمن عرفها حقّ
معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر . ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ
الخلق فطموا عن معرفتها .
(6) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
فمن يعرفها ؟ ! وعلى معرفتها دارت القرون السادسى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ
حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها(1) .
ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ،
ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليهاالسلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفوا لها ،
فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ورسول اللّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّ
الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها
والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّا إلاّ اللّه ورسوله ووصيّه عليهماالسلام .
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ
الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة
النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ووعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة اللّه الكبرى ،
وآية اللّه العظمى .
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه
الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد
والسيّد المرتضى .
كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهدا آية
التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور
الشمس .
والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في
نفس المعصوم عليهالسلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات .
مقدّمة ••• (7)
--------------------------------------------------------------------------------
الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان
معصوما في دهره لا يصدر منه الشين مطلقا .
وفاطمة الزهراء عليهاالسلام إنّها المعصومة بعصمة اللّه سبحانه ، كما عصم أولادها
الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول اللّه لن يفترقا
في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة .
مفطومة من زلل الأهواءِ معصومةٌ من وصمة الخطاءِ فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليهاالسلام ، ولمّـا كان الأذان والأقامة للصلوات
اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّـا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ،
بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته
للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد اللّه ، كما يؤمن برسول اللّه ونبوّته ،
ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة اللّه ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده
الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن
معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهمالسلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة
الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ،
ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ،
وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة .
فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء
عصمة اللّه )(1) مرّتان أو مرّة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد
--------------------------------------------------------------------------------
(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية اللّه الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه
في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ذات
عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نصّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليهاالسلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليهاالسلام جوهرة قدسيّة في
تعيّنٍ إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة اللّه الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة
ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كلّ ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو والنسيان
ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى
وزوجة وليّ اللّه وكلمة اللّه التامّة فاطمة عليهاالسلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان
والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : ( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول اللّه عصمة اللّه الكبرى ) ،
ونحوها .
( ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
أنّ عليّا وليّ اللّه وأنّ فاطمة الزهراء عصمة اللّه ) ، فتدبّر .
وممّـا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء
والأوصياء عليهمالسلام أنّ اللّه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضا عند
الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ اللّه سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه :
« وَإذْ ذَهَبَ ذا النُّونِ مُغاضِبا فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » .
ولكن يغضب لغضب فاطمة عليهاالسلام .
ثمّ لا تجد معصوما تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، ولولا عليّ لما
كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ
الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير المعصوم قوّاما على المعصومة ، ومن
خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول اللّه محمّد صلىاللهعليهوآله هو
زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين
والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا
يتزوّجها إلاّ المعصوم عليهماالسلام .
مقدّمة ••• (9)
--------------------------------------------------------------------------------
وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من السادسين والآخرين في الدنيا
والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة
المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهمالسلام .
وربّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ
الأنفس فداها .
« فداها أبوها » .
وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف
بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من
البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان .
وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها
وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه
معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند
الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب
وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليهاالسلام حقيقة ليلة القدر ،
حقيقة الكون وما فيه .
واللّه سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت
ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى
يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت .
ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوسا نزوليّا وصعوديّا ، وقد عبّر عن
القوس النزولي في نزول فيض اللّه ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن
القوس الصعودي باليوم والأيام .
(10) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
وعصمة اللّه فاطمة الزهراء عليهاالسلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم اللّه .
والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر
قرآنا ناطقا في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ
من ألف شهر ، أي ألف مؤمن . فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ،
والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمّد عليهمالسلام وأسرارهم ، وروح القدس
فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتّى مطلع فجر قائم
آل محمّد عليهمالسلام (1) .
وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع
القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر
الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ
طيلة ثلاث وعشرين عاما ينزل تدريجا .
فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه
هي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ
فاطمة عليهاالسلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ،
فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع .
فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ،
وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية .
فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليهاالسلام بما هي هي ، وبما تحمل في
ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ) .
مقدّمة ••• (11)
--------------------------------------------------------------------------------
مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلها عليهماالسلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله إجلالاً
ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها
ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً .
وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة
والأسرار العلويّة .
فمن هي ؟
هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير
والوحوش .
هي التي لا يذكر اللّه الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة
من مناقبها إجلالاً وتكريما وتعظيما لها .
هي الكوثر التي خصّها اللّه بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل
محمّد عليهمالسلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين والأئمة المعصومين عليهمالسلام .
هي التي اشتقّ اسمها من اسم اللّه فكان فاطرا وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة
السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت
ضربة عليّ عليهالسلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ
عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّ عليهماالسلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان
لعليّ ما لرسول اللّه إلاّ النبوّة .
والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العطمى ، فتكون
أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي
نور المُهج وحجّة الحجج ...
وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول اللّه ، ومن آذاها
(12) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
فقد آذى رسول اللّه ، ومن آذى رسول اللّه فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه ورسوله ،
فعليه لعنة اللّه أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ
لتعرف على من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
أصفاها اللّه وطهّرها تطهيرا ، فهي سيّدة نساء العالمين من السادسين
والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف
جارية من الحور العين .
هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها
ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط
والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار .
فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل
لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها
ومثالب أعدائها .
ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(1) الواردة بسند صحيح عن الإمام
الهادي عليهالسلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أ نّها
تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم عليهالسلام بمعرفة
مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار عليهمالسلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات
الزيارة ومفرداتها .
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أ نّها
موضع سرّ اللّه وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة اللّه على الخلق ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع .
مقدّمة ••• (13)
--------------------------------------------------------------------------------
وفاطمة الزهراء عليهاالسلام هي حجّة اللّه على حجج اللّه ، كما ورد عن الإمام
العسكري عليهالسلام :
« نحن حجج اللّه على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة اللّه علينا » .
ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه الشريف :
« ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة » .
فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمة عليهمالسلام .
إنّها عليهاالسلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها :
« فاطمة روحي التي بين جنبيّ » .
وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ
بعلمه وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي
روحه التي بين جنبيه .
ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد
في الخبر النبويّ الشريف :
« ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية » .
مطلقا التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية
والأرضية . كما ورد :
« ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك » .
وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير
المؤمنين عليّ عليهالسلام ، فالزهراء عليهاالسلام يعني رسول اللّه وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة
والولاية ، وهيمجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور
اللّه في سورة النور وآيته :
(14) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
« اللّهُ نورُ السَّماوات وَالأرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاةٍ » .
بأ نّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا
المشكاة نور رسول اللّه وأمير المؤمنين عليهماالسلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي
اللّه لنوره من يشاء .
فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع
فيها )(1) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل
أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا
المعلول المقدّس لما خلق اللّه النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :
« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما
خلقتكما » .
ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء ...
والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته
وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر
ازدهرت السماوات والأرض ، فاللّه الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها
الأزهر ...
ولمثل هذه الخصائص القدسيّة كان النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله يقول : فداها أبوها .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك
بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين
لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيد عليهالسلام الذي سقط بين
الباب والجدار . وليت الكاتب الجليل أشار إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء .
مقدّمة ••• (15)
--------------------------------------------------------------------------------
مشكاة نور اللّه جلّ جلاله زيتونة عمّ الورى بركاتها
هي قطب دائرة الوجود ونقطة لمّـا تنزّلت أكثر كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها هي عنصر التوحيد في عرصاتها
ــــــــــ
فاطمةً خيرَ نساء البشر ومن لها وجه كوجه القمرِ فضّلك اللّه على كلّ الورى بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ
زوّجك اللّه فتىً فاضلاً أعني عليّا خير من في الحضرِ
ــــــــــ
وأخيرا عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، قال :
« فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من
ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه
هوى »(1) .
هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع
فضيلة مروّج الأحكام حجّة الإسلام الكاتب المعتمد والمؤلف السند الخطيب
الكامل الشيخ محمّد فاضل المسعودي دام موفّقا .
وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغا في
المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ،
بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ
فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره ، وكثّر اللّه من أمثاله .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) فرائد السمطين 2 : 66 .
(16) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
--------------------------------------------------------------------------------
كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه
( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد اللّه يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من
طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة .
وقد سألت اللّه في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ،
لا سيّما اُولئك الذين حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين
والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف
والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات
الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم اللّه في
الدارين .
وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأتعاب ضياعا ، بل
بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكُلها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير
المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق ...
والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة
النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لا سيّما وهذه
الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار
والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيت عليهمالسلام ، وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ،
والعجب أ نّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة ! !
ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علينا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى .
ألا أ نّهم أرادوا أن يطفئوا نور اللّه ، واللّه متمّ نوره ولو كره المشركون
والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء
والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصّة في قربى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله .
مقدّمة ••• (17)
--------------------------------------------------------------------------------
أسأل اللّه سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ،
ويوفّقهم لما فيه الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر
معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة .
عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح
دعواتهم الطيّبة .
فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا
فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليم ، والسلام
عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن
ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات
العبد
عادل العلوي
قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة
(18) ••• الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت نوفمبر 12, 2011 4:27 am من طرف يتيم فاطمة
» تِلكُم أمّ أبيها
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:28 pm من طرف يتيم فاطمة
» شذرات نبويّة.. على جبين فاطمة عليها السّلام
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:26 pm من طرف يتيم فاطمة
» يوم الوقت المعلوم
الإثنين يوليو 04, 2011 10:14 pm من طرف يتيم فاطمة
» اشراقات حسينية في الثورة المهدوية
الإثنين يوليو 04, 2011 10:09 pm من طرف يتيم فاطمة
» ملامح الدولة العالمية على يد الإمام المهدي عليه السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 10:07 pm من طرف يتيم فاطمة
» أسماء وألقاب السيدة المعصومة
الإثنين يوليو 04, 2011 10:03 pm من طرف يتيم فاطمة
» علم السيدة المعصومة عليها السلام ومعرفتها
الإثنين يوليو 04, 2011 10:01 pm من طرف يتيم فاطمة
» ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 9:58 pm من طرف يتيم فاطمة