مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
فدك ومظلومية الزهراء (عليها السلام)
صفحة 1 من اصل 1
فدك ومظلومية الزهراء (عليها السلام)
خلاصة المقال
الاستاذ إبراهيم جواد
بعد ذلك الحوار الخفيف مع صاحبي الذي سألني عن مجريات السقيفة المشؤومة، وموقف الإمام علي (عليه السلام) من النتيجة الباطلة التي أسفرت عنهما، وتمثلت ظاهراً في إقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن خلافة المسلمين الذي هو سبيل استمرار الإسلام واستقامة منهجه ورسوخ دولته
نص المقال :
واستبداله بأبي بكر وما جر ذلك من جريمة الإقدام على حرق دار فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإخراج المعتصمين فيه من المهاجرين والأنصار، وإكراههم على البيعة، والإقرار بالبيعة المغتصبة من قبل أبي بكر ورفيقيه في المؤامرة عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، والتي كانت بدء الانحراف عن منهج الإسلام، والسوسة الأولى التي بدأت بنخر كيان دولته الفتية.
أقول: بعد ذلك الحوار، عاد صاحبي ذاك يسألني في إلحاح عن قضية فدك.
قلت لصاحبي: عن ماذا تسأل من تلك القضية؟
قال: أسال عن مجرياتها، وسبب - ربطها بالسقيفة، وما ترتب عليها من نتائج.
قلت: أنا أسألك بدوري: لماذا لا تتعب نفسك قليلاً، وتبحث في كتب التاريخ، وتقارن بين مروياته لتميز بين الصحيح والمزيف منها، فتكون أكثر اطمئناناً إلى النتائج التي تتوصل إليها بنفسك؟.
قال: أنت تعلم أن تلك المهمة صعبة جداً وشاقة على أمثالي، ولكني أعدك أنني سأفعل إن أنت وضعتني على بداية الطريق، وأنرت لي بعض زواياه المظلمة، وزودتني ببعض البصائر التي تعينني على المسير.
قلت: حباً وكرامة إذن، سأبدأ حديثي عن قضية فدك بحوار بين أبي بكر ونجيّه ووزيره عمر، أنقله من كتابي (فاطمة الزهراء صوت الحق وصرخة الصدق) جاء فيه:
استدعى الخليفة الأول أبو بكر صاحبه عمر، وجلسا يتذاكران أحداث الخلافة وعواقبها، قال عمر: هاقد استقرت الأمور، وخفت صوت المعارضة، وعادت الحياة في المدينة إلى مجراها الطبيعي، وانصرف المسلمون لشؤونهم.
- كل ذلك بفضلك يا عمر، لقد أبليت في هذا الأمر البلاء الحسن، وأبديت من الحزم والعزم ما أنت به خليق.
لكني غير مطمئن تماماً يا أبا بكر، إن امتناع علي وبني هاشم يقلقني ويؤرقني، وإن جمعاً من الأنصار وبعضاً من المهاجرين ما يزالون يترددون إليه ويلتفون حوله رغم بيعتهم لك وخضوعهم الظاهر لسلطتك.
إن وراء هذا الكلام ما وراءه، فبم تفكر يا ابن الخطاب؟ كأني بك تدبر في رأسك أمراً جديداً!!.
- يا أبا بكر، إن ابن أبي طالب أجود من السحاب وأندى من المزن وأكرم من الكرم نفسه، ولو خيرت له الدنيا وخيراتها لم يحبس منها شيئاً عن الناس، والإنسان عبد الإحسان، والناس ذوو ميل إلى الدنيا وأنسٍ بالأموال، فإن أردت أن يتفرق الناس عن علي ويميلوا إليك، فامنع عنه الفيء وخمس الغنائم واحبس عنه فدكاً (1).
انتفض أبو بكر مرعوباً، وقام من مجلسه فزعاً كمن عضته أفعى أو لدغته عقرب:
- ما تقول يا عمر؟! أين تريد بنا؟! أنهيج النزاع من جديد بعد ما هدأت صائلته، ونعود إلى القلق بعد ما انقطعت عنا غائلته؟! أما يكفينا من أهل بيت رسول الله ما قدمنا؟!.
- إنه كما أقول لك يا أبا بكر، ولا أريد بك إلا خيراً، وإنه لن ينفض عن آل رسول الله مريدوهم ما لم تفعل ذلك.
- والله إني لمتخوف مغبة هذا الأمر يا عمر.
- أطعني يا أبا بكر واسمع مشورتي، فأنك أن تفعل ذلك انفض عن علي شيعته، وأقبلوا إليك رغبة فيما عندك من الدنيا.
افعل ما أنت فاعل يا عمر، ولا تدخلني معك في هذا الأمر، فإني أراه أصعب من سابقه.
- قد علمت يا أبا بكر أنه هذا لا يكون، فأطعني فيما أقول.
- فامض إذن إلى وكيل فاطمة على فدك، فانزع الوكالة منه ولنرقب ما يكون بعد ذلك، ولكل حادث حديث(2).
- إني ماض لما أمرتني به، فهيئ للأمر عدته، والزم الحزم، وإياك أن يلحق بك الخور.
• ما هي فدك:
قال صاحبي: هذه بداية لطيفة مع هذا الحوار العجيب، أريد أن تحدثني بعده عن فدك هذه ما هي، وكيف صارت إلى الزهراء (عليها السلام)؟!
قلت: فدك قرية زراعية من قرى الحجاز تقع بالقرب من خيبر، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وهي أرض واسعة جداً فيها عين خوارة ونخيل كثيرة، وهي ذات قيمة عالية لوفرة مائها وكثرة نخيلها وطيب ثمرها(3).
وكانت فدك ملكاًً لليهود حتى السنة السابعة للهجرة، وحين نقض اليهود عهودهم التي أبرموها مع النبي (صلى الله عليه وآله) وراحوا يكيدون للإسلام والمسلمين، ويجرون الاتصالات مع المعسكر الوثني الجاهلي، ويقفون إلى جانبه في حربه على الإسلام، ويتآمرون لاغتيال النبي، صمم على قتالهم واجتثاث خطرهم المائل على الدولة الإسلامية.
ولما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر، واستحوذ عليهم الفزع، ودب في نفوسهم الذعر والهلع، فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك، فكانت فدك خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(4)، طبقاً لقوله تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير، ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[سورة الحشر:الآية 5 – 6].
وعند ما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه)[سورة الإسراء: الآية 26].
دخل رسول الله على ابنته فاطمة (عليها السلام) وعندها (أم أيمن) فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك خالصة له من دون المسلمين، وإن الله قد أمرني فقال (وآت ذا القربى حقه) فأنت أحق من أوتيه حقه، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك صداق ودين وفضل، وقد جعلت لك فدكاً بذلك نحلةً لك ولولدك من بعدك(5).
• موقف الزهراء (عليها السلام) من اغتصاب فدك:
وجدت الزهراء نفسها أمام مشكلة جديدة بعد خرق حرمة دارها، وفي مواجهة ابتزاز آخر بعد غصب الخلافة من زوجها علي (عليه السلام) وعرفت أن السلطة لن تدع آل رسول الله في محنتهم ومصيبتهم برسول الله، ولن تكتفي باغتصاب الخلافة منهم، وهاهو وكيلها يخبرها أنه الوكالة على فدك قد سحبت منه بأمر الخليفة، وأن فدك قد زويت عنها ملكيتها، فماذا تفعل الزهراء؟!، أتؤثر الجلوس في بيتها وتسكت عن هذا الابتزاز الجديد؟ أتتخاذل عن مواجهة المشكلة وهي تعلم أن القضية محبوكة من قبل السلطة وأزلامها وأنها ستكون خاسرة إن هي واجهت؟! أترضخ للظلم والجور؟ إنها لو فعلت لتعوّد المظلوم على الاستسلام للظلم، وازداد الظالم جرأة وإقداماً على الجور والظلم!، أم تنبري للمطالبة بالحق وفضح الظلم والجور، لتكون بذلك أسوة وقدوة لكل مظلوم فينتصب لظالمه يطالبه برفع الظلم عنه وإعادة الحق لصاحبه؟!
لاثت فاطمة خمارها، وشدت عليها إزارها، وانطلقت إلى أبي بكر في المسجد تقف قبالته ببسالة نادرة، تسأله وعمر إلى جنبه والمسلمون حوله:
- لم أخرجت وكيلي من فدك وهي نحلتي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
- ما بينتكِ؟ ومن يشهد لكِ؟
- أمن بنت رسول الله تطلب البينة يا أبا بكر، وعلى كلامها تريد الشهود؟!
- وما يميزكِ عن بقية الناس من أمة أبيك؟!
- أتجعل علمك جهلاً يا أبا بكر؟! ألست تعلم ما يميزني؟! ألست تقرأ كتاب الله تعالى، أفما تجد فيه قول ربك: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[سورة الأحزاب: الآية 33].
- أو ليس أولئك نساءه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
- أنى يستقيم لك ذلك يا أبا بكر وقد جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما نزلت عليه هذه الآية وضمنا أنا وعلي وابناي الحسن والحسين بكسائه دون جميع نسائه وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيراً، فجاءت زوجه أم سلمة، فجذبت الكساء تريد أن تدخل معنا، فقال لها النبي: مكانكِ يا أم سلمة، فقالت: أولستُ منهم يا رسول الله؟ قال: لا ولكنك إلى خير(6)، ويميزني يا أبا بكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
فاطمة بضعة مني(7)، وهي حوراء إنسية(، ولولا علي لم يكن لها كفؤ من آدم فما دونه(9)، وقوله كذلك: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة(10)، فهل في نساء الأولين والآخرين من هي مثلي؟!.
- فذلك في الفضل والمكانة يا خير النساء، لا في القضاء والمحاكمة.
- إذا كان الأمر كما تقول - وهو ليس كذلك - فاليمين علي لأن فدك كانت بحيازتي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والبينة عليك لأنك أخرجت وكيلي منها وحبستها عني.
- وكيف ذلك ولم يا ابنة رسول الله؟!
- أليست يدي كانت ثابتة على فدك أربع سنين في حياة رسول الله، أتصرف فيها تصرف المالك دون نكير، وكان وكيلي فيها حتى أخرجته أمس منها أنت وصاحبك هذا عمر؟!
- أنتِ صادقة يا فاطمة، لكن ذلك وأبوك حي، فكنت تتصرفين في مال أبيك، أما الآن وأنا خليفته فالأمر إلي أتصرف فيها كما كان يتصرف فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
- إن قولك هذا يا أبا بكر تلزمك فيه البينة ولا يلزمني أنا إلا اليمين، أم تريد أن تغير الأحكام وتبلي سنن الإسلام؟! أليس قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (البينة على من أدعى واليمين على من أنكر؟!)
- يا ابنة رسول الله، كنت تتصرفين في مال أبيك كحاكم على المسلمين، فلما خلفته آل أمر ذلك المال إليّ.
- أعنتاً تكرر ذلك القول وتصر عليه بلا حجة ولا برهان؟! إن الأمر ليس كما تدعي يا أبا بكر، ولكن أبي رسول الله قد نحلني فدكاً بأمر الله تعالى، فأصبحت ملكاً خالصاً لي ولذريتي من بعدي، فلا طريق لك إليها يا أبا بكر إلا بالبينة.
- ألست من الأول قد سألتك الشهود على ذلك؟!
- إذن هو أمر أبرمته وأعددت جوابك عليه سلفاً، ونصبت نفسك قاضياً، وحقّك أن تكون مدّعياً، وطلبت البينة مني وهي عليك، فأنت يريدني أن أطلب الشهود وقد قدمت لك ما قدمت؟!.
- ما أنت إلا صادقة مصدوقة يا خير النساء وبنت خير الأنبياء، ولابد من الشهود.
- مع إصرارك على موقفك، وطلبك الشهود من المدعى عليه، المهضوم حقه، المغصوب ماله، فأحب أنه أبين لك أن لدي شهوداً صادقين مصدوقين، طاهرين مطهرين، لا تُردُّ شهادتهم ولا يُراجع كلامهم، فأقم قاضياً يحكم بيني وبينك بكتاب الله وسنة رسول الله.
هلمي شهودك يا فاطمة، فلا قاضي في هذا الأمر سواي.
• مع الشهود على قضية فدك:
مع إصرار أبي بكر على تنصيب نفسه خصماً وحكماً في آن واحد في هذه القضية المحبوكة والمؤامرة المدبرة، تقدم علي (عليه السلام) بشهادته فقال:
- دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ابنته فاطمة وعندها أم أيمن، فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك خالصة له من دون المسلمين وإن الله قد أمرني فقال (وآت ذا القربى حقه) فأنت أحق من أوتيه حقه، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك صداق ودين وفضل، وقد جعلت لك فدكاً بذلك نحلة لك ولولدك من بعدك(11).
ثم جاءت أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقفت أمام أبي بكر وعمر وقالت:
- أتعرفاني أم أعرّفكما نفسي؟!
- ومن لا يعرفك يا أم أيمن؟!
- ألستما تعلمان وتشهدان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أراد (أو من سره) أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن(12)؟!
- بلى نعم ونشهد.
- وهل يدخل الجنة كذاب أو مدّع ؟!
- حاشا لله، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، والمؤمن لا يكذب أبداً.
- فإني - وأنا امرأة من أهل الجنة - أشهد أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيّه (وآت ذا القربى حقه) فجعل النبي لا بنته فدكاً بأمر الله، لها ولذريتها(13).
قال أبو بكر:
- فرجل آخر أو امرأة أخرى لتكتمل البينة وتستحقي القضية(14).
وعجبت فاطمة من إصرار أبي بكر ومضيّه في هذا العناد، رغم وضوح القضية وصدق الشهادة، إن من هو خير من أبي بكر قد قبل شهادة من هو أدنى من علي وسماه (ذا الشهادتين) فكيف بأبي بكر وقد شهدت أم أيمن مع علي وهي أمرأة من أهل الجنة لا تخش غائلتها ولا يخاف نسيانها(15).
ثم جاء الحسنان فشهدا بما شهدت به أم أيمن، ثم جاءت أم المؤمنين أم سلمة، وأسماء بنت عميس - وهي يومئذ زوجة أبي بكر - فشهدتا كذلك.
وأسقط في يد أبي بكر فسكت، فما كان يظن أن يشهد كل هؤلاء مع الزهراء، وأطرق برأسه إلى لأرض، لعل فكره المتوقد وذهنه الفطن ينجده بجواب أو يسعفه بمخرج من هذا المأزق.
وتصدى ابن الخطاب إذ رأى الخليفة ساكتاً مطرقاً، وراح يطعن بأولئك الشهود، قال عمر:
- أما علي فزوجها، وأما الحسنان فابناها، وهم يجرّون القرص إلى أنفسهم(16)، وأما أسماء بنت عميس فكانت زوجة جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم(17)، وأما أم أيمن فامرأة أعجمية لا تفصح(18).
وهنا أنبرى علي يرد مقالة عمرو يسفه رأيه:
- أما فاطمة فبضعة من رسول الله، من آذاها فقد آذى رسول الله، ومن كذّبها وردّ عليها فقد كذّب رسول الله وردّ عليه، وأما الحسن والحسين فابنا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة، من كذبهما فقد كذب رسول الله إذ كان أهل الجنة صادقين، وأما أنا فقال لي - رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، والرادّ عليك كالرادّ عليّ، من أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني، وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله بالجنة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها وهي صاحبته الهجرتين، وأما أم سلمة فهي زوجة رسول الله وأم المؤمنين وقد شهد لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أنت إلى خير.
- أنتم كما وصفتم به أنفسكم، ولكن شهادة الجارَّ إلى نفسه لا تقبل.
- إذا كنا نحن كما تعرفون ولا تنكرون، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لنالا تقبل، فإنا لله وإنا إليه راجعون(19).
ورفع أبو بكر رأسه مشرق الوجه متهلل الأسارير، وقد أعجبه طعن عمر بشهادة هؤلاء الشهود، فتمسك به متغافلاً عن تفنيد عليّ لزعم عمر وردّه عليه، والتفت إلى الزهراء يعيد عليها مقالته الأولى:
- يا ابنة رسول الله، هذا مال كان بيد أبيك، وكان يعطي منه أهله ونساءه مؤونة سنتهم وينفق الباقي في مصالح المسلمين، وقد آل أمر هذا المال إليّ، ولن أعدو فيه تصرف رسول الله.
- ومن يشهد لك بذلك يا أبا بكر؟
- يشهد لي المسلمون ممن حضر فسمع، أو غاب ثم علم.
- هلم شهودك فليشهدوا يا أبا بكر، وإني لأظنهم سيشهدون زوراً وبهتاناً.
وتوجه أبو بكر إلى الحاضرين من المسلمين يسألهم:
- من سمع أو علم فليتقدم فليشهد بما سمع أو علم.
وقالت فاطمة للمسلمين: -(ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى)[سورة طه: الآية 61].
أحجم المسلمون جميعاً فلم يتقدم منهم أحد، وطفق أبو بكر يتأمل وجوه القوم قلقاً، وما أسرع ما بادر عمر فشهد على ما قاله أبو بكر، وتلاه عبد الرحمن بن عوف فشهد مثل شهادته، فالتفت أبو بكر إلى فاطمة يطيب خاطرها ويهدئ من سورتها إذ شعر أنه قد ربح القضية أخيراً:
- صدقت يا ابنة رسول الله وصدق زوجك علي وصدقت أم أيمن وأم سلمة وأسماء، وصدق عمر وعبد الرحمن، وذلك أن مالك لأبيك(20)، فكان يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله(21).
وكم عجبت أم سلمة من جرأة عمر على سيد الأوصياء وابنيه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وأمهما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين حين نسب إليهم الإقدام على طلب غير الحق، والإدلاء بشهادات باطلة جراً للنفع إلى أنفسهم، كما عجبت من طعنه بالشهادات التي أدلت بها هي وأسماء بنت عميس وأم أيمن، وعجبت أكثر ما يكون العجب من خليفة ينصب نفسه قاضياً في قضية هو طرف فيها، ثم لم يكتف بذلك حتى رجح شهادة عمر وابن عوف على شهادة علي والحسنين وأم سلمة وأم أيمن وأسماء، ليتمكن بذلك من رد فاطمة خائبة خاسرة، فالتفتت إلى أبي بكر وعمر تقول لهما وهي تغادر المجلس: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً)[سورة الكهف: الآية 5].
لكن الزهراء (عليها السلام) لم تسلّم بحكم أبي بكر، ولم تستسلم أمام مناورته ومداورته، وإنما انتقلت به إلى مورد أصعب، ووضعته في موقف أحرج:
- إذا رددتم بيّنتي الواضحة، وكذبتم شهودي الصادقين، فإني أطالبكم بحقي من فدك ميراثاً من أبي.
وسكت أبو بكر وعمر طويلاً عاجزين عن جواب فاطمة، فما كان يدور في خلدهما أن توردهما فاطمة هذا المورد، ولذلك لم يكونا قد أعدا جواباً لدفع هذا الطلب.
وفيما تنفس المسلمون في المسجد الصعداء، ظانين أن الزهراء قد ربحت القضية، وانجابت عنهم غمة هذه الظلامة الفادحة، فاجأهم أبو بكر يقول لفاطمة:
- لقد سمعت أباك يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).
يالله على هذه الفرية التي تخالف كتاب الله وسنة رسول الله، وتجافي ما يعلمه المسلمون من دينهم وشريعة نبيهم، واندفعت الزهراء تعنف أبا بكر وتفند دعواه هذه.
- أفي دين الله يا أبا بكر أن ترث أباك وترثك بناتك ولا أرث أبي؟! وكتاب الله بين أيديكم يتلى أناء الليل وأطراف النهار، وفيه قول الله عز وجل: (وورث سليمان داوود)[سورة النمل: الآية 16]، وفيه دعاء زكريا (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً)[سورة مريم: الآية 5 - 6].
- أبوك خاتم الأنبياء وناسخ الشرائع، وقد قال: لا نورث.
- أبي لا يخالف قرآن ربه فلقد كان خلقه القرآن، أفكان رسول الله يعلمك ويتركنا نجهل - نحن الأقربين - والله سبحانه يقول له (وانذر عشيرتك الأقربين)! أم كنت تظن أنه أعلمنا فكتمنا علمه وخالفنا شرعه؟!
ونادى أبو بكر في الحاضرين:
- ألا من سمع أو علم فليشهد بما سمع أو علم.
وشهدت عائشة بنت أبي بكر لأبيها ودعمت شهادتها حفصة بنت عمر، واكتمل حبك المؤامرة بشهادة رجل من الأعراب يدعى أوس بن الحدثان أو مالك بن أوس بن الحدثان فشهد أنه سمع كما سمع أبو بكر(22).
ومرة أخرى تدخلت أم المؤمنين أم سلمة فأطلعت رأسها من باب حجرتها المطلة على المسجد، وقالت تخاطب الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار:
- ألمثل فاطمة يقال هذا الكلام وهي الحوراء بين الإنس، والأنس للنفس؟! ربّيت في حجور الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في المغارس الطاهرات، أتزعمون أن أباها رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! أم أنه أعلمها وخالفت عن قوله وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم بنت عمران!!.. واهاً لكم وسوف تعلمون(23).
وعقبت فاطمة قبل أن تجر أذيالها خارجة من المجلس:
- ألا إن هذه أول شهادة زور في الإسلام.
ثم انكفأت إلى دارها ومازالت مريضة حتى لحقت بأبيها غاضبة على أبي بكر وعمر ودفنها زوجها علي سراً وليلاً دون أن يتيح لهما التظاهر أمام المسلمين بأنهما يودان فاطمة ولا يحملان لها ضغناً ولا كرهاً، وطفق المسلمون يضربون كفاً بكف أسً وحسرة ويقول بعضهم لبعض: لم يخلف فينا نبينا إلا بنتاً واحدة، تموت وتدفن ولم نحضر وفاتها ولا الصلاة عليها ولا نعرف قبرها فنزورها(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فاطمة الزهراء المرأة النموذجية في الإسلام للشيخ إبراهيم الأميني ص 129 - 120 ينقله عن ناسخ التواريخ - جزء الزهراء ص 122 - أعيان النساء ص 420 للحكيمي ينقله عن الكشكول للسيد حيدر الآملي. وما أشبه قول عمر هذا بما قاله المنافقون يوصي بعضهم بعضاً (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا...)[سورة المنافقون: الآية 7].
2- فاطمة الزهراء صوت الحق وصرخة الصدق ص 224 - 226 المؤلف.
3- انظر: لسان العرب لابن منظور مادة فدك - المصباح المنير للفيوضي - البلاذري في فتوح البلدان ص 46 - ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 14 ابن الأثير في الكامل في التاريخ ج 3 ص 221.
4- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 3 ص 98 طبعة دار القلم - بيروت ، السيرة الحلبية ج 3 ص 58 - 59 طبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، يذكر أن أهل فدك صالحوا رسول الله على أن يحقن دماءهم ويخلوا بينه وبين الأموال، وقيل تصالحوا معه على أن يكون لهم نصف الأرض ولرسول الله المنصف لآخر، فكانت فدك على القول الأول كلها لرسول وعلى الثاني كان له نصفها فقط وانظر المصادر المذكورة في الحاشية السابقة وتاريخ ابن خياط ص 28 - 40.
5- المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 - والهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 49 والذهبي في ميزان الاعتدال ج 2 ص 228 والمتقي الهندي في كنز العمال ج 2 ص 158 والحاكم في التاريخ وانظر فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج 3 ص 136.
6- صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة الحديث - رقم 4450 - الترمذي في كتاب الأدب حديث رقم 2728 وفي كتاب تفسير القرآن الحديث 2129 و 2120 - أبو داوود في كتاب الليالي الحديث رقم 2512 - أحمد في باقي مسند المكثرين الحديث - رقم 1220 وفي باقي مسند الأنصار الحديث رقم 24122 و 25200.
7- أخرجه البخاري.
8- بحار الأنوار ج 26 ص 261 و ج 43 ص 4- 6.
9- كشف الغمة ج 2 ص 98 عن الصدوق - أمالي الطوسي ج 1 ص 42 - مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 29.. عيون أخبار الرضا ج 1 ص 177 - بحار الأنوار ج 43 ص 97 و 107 و 141 - عوالم العلوم والمعارف ج 11 ص 128 - 141.
10- أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
11- رواه المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 عن كتاب الخرائج للراوندي - وذكره الميرزا محمد علي الأنصاري في اللمعة البيضاء شرح خطبة الزهراء ص 380 - وأورده المفيد في الاختصاص - ونقل كل ذلك الحكيمي في أعيان النساء ص 421.
12- الإصابة لابن حجر ص 422 عن سفيان بن عيينة وقال: فتتزوجها زيد بن حارثة - تهذيب التهذيب ج 12 ص 459 - أعلام النساء للزركلي ج 1 ص 107 - أسد الغابة ج 5 ص 567 - كما ذكرها البخاري في قاموس الرجال وابن سعد في الطبقات.
13- الطبري في الاحتجاج ج 1 ص 121 - المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 - الميرزا الأنصاري في الحجة البيضاء ص 28 الجوهري في السقيفة وفدك ص 102 - 107 ونقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 112 طبع بيروت 1954 والشيخ المفيد في الاختصاص وذكر ذلك الحكيمي في أعيان النساء ص 420 - 421.
14- في السيرة الحلبية ج 3 ص 399 طبع مصطفى البابي الحلبي - مصر، فقال لها أبو بكر: أبرجل وامرأة تستحقين ؟!.
15- قصة خزيمة بن ثابت الأنصاري قصة معروفة ومشهورة، ولأجلها سماه النبي ذا الشهادتين، وقد جاء أبا بكر بآية من القرآن لم يذكرها غيره فقبلها منه وضمها إلى القرآن لهذا السبب، فأيهما أعظم: فدك أم القرآن؟ وأيهما لا يجب قبول شهادته: خزيمة بن ثابت أم أم أيمن؟!.
16- في بعض الروايات: وهم يجرون النار إلى قرصهم، وحاشاهم وهم ما هم في الفضل والعلم والتقوى والسابقة، فأنى لعمر ولغير عمر أن يوجه إليهم هذا الاتهام الباطل!!.
17- تزوج أبو بكر أسماء بنت عميس بعد استشهاد زوجها الأول جعفر، وكانت زوجة أبي بكر عندما شهدت هذه الشهادة أمامه.
18- الطبري في الاحتجاج ج 1 ص 90 - 91، والحكيمي في أعيان النساء ص 421.
19- المصدر السابق.
20- يا سبحان الله، مال الابن لأبيه.. نعم، ولكن ذلك مشروط بشرطين: الأول أن يكون ذلك في حياة الأب لا بعد مماته، والثاني يتعلق برغبة الأب في تناول مال الابن، أما هنا فلا مجال لتحقق أي من الشرطين، فالمال كان للأب فنحله للابن، ثم إن الأب توفي والمال في يد الابن، فبقي المال خالصاً للابن لاحق لأحد أن ينازعه فيه.
21- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 111.
22- كشف الغمة ج 2 ص 104، الاحتجاج ج 1 ص 121، شرح نهج البلاغة ج 16 ص 274.
23- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري ص 29.
24- بحار الأنوار ج 43 ص 212
[b]
الاستاذ إبراهيم جواد
بعد ذلك الحوار الخفيف مع صاحبي الذي سألني عن مجريات السقيفة المشؤومة، وموقف الإمام علي (عليه السلام) من النتيجة الباطلة التي أسفرت عنهما، وتمثلت ظاهراً في إقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن خلافة المسلمين الذي هو سبيل استمرار الإسلام واستقامة منهجه ورسوخ دولته
نص المقال :
واستبداله بأبي بكر وما جر ذلك من جريمة الإقدام على حرق دار فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإخراج المعتصمين فيه من المهاجرين والأنصار، وإكراههم على البيعة، والإقرار بالبيعة المغتصبة من قبل أبي بكر ورفيقيه في المؤامرة عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، والتي كانت بدء الانحراف عن منهج الإسلام، والسوسة الأولى التي بدأت بنخر كيان دولته الفتية.
أقول: بعد ذلك الحوار، عاد صاحبي ذاك يسألني في إلحاح عن قضية فدك.
قلت لصاحبي: عن ماذا تسأل من تلك القضية؟
قال: أسال عن مجرياتها، وسبب - ربطها بالسقيفة، وما ترتب عليها من نتائج.
قلت: أنا أسألك بدوري: لماذا لا تتعب نفسك قليلاً، وتبحث في كتب التاريخ، وتقارن بين مروياته لتميز بين الصحيح والمزيف منها، فتكون أكثر اطمئناناً إلى النتائج التي تتوصل إليها بنفسك؟.
قال: أنت تعلم أن تلك المهمة صعبة جداً وشاقة على أمثالي، ولكني أعدك أنني سأفعل إن أنت وضعتني على بداية الطريق، وأنرت لي بعض زواياه المظلمة، وزودتني ببعض البصائر التي تعينني على المسير.
قلت: حباً وكرامة إذن، سأبدأ حديثي عن قضية فدك بحوار بين أبي بكر ونجيّه ووزيره عمر، أنقله من كتابي (فاطمة الزهراء صوت الحق وصرخة الصدق) جاء فيه:
استدعى الخليفة الأول أبو بكر صاحبه عمر، وجلسا يتذاكران أحداث الخلافة وعواقبها، قال عمر: هاقد استقرت الأمور، وخفت صوت المعارضة، وعادت الحياة في المدينة إلى مجراها الطبيعي، وانصرف المسلمون لشؤونهم.
- كل ذلك بفضلك يا عمر، لقد أبليت في هذا الأمر البلاء الحسن، وأبديت من الحزم والعزم ما أنت به خليق.
لكني غير مطمئن تماماً يا أبا بكر، إن امتناع علي وبني هاشم يقلقني ويؤرقني، وإن جمعاً من الأنصار وبعضاً من المهاجرين ما يزالون يترددون إليه ويلتفون حوله رغم بيعتهم لك وخضوعهم الظاهر لسلطتك.
إن وراء هذا الكلام ما وراءه، فبم تفكر يا ابن الخطاب؟ كأني بك تدبر في رأسك أمراً جديداً!!.
- يا أبا بكر، إن ابن أبي طالب أجود من السحاب وأندى من المزن وأكرم من الكرم نفسه، ولو خيرت له الدنيا وخيراتها لم يحبس منها شيئاً عن الناس، والإنسان عبد الإحسان، والناس ذوو ميل إلى الدنيا وأنسٍ بالأموال، فإن أردت أن يتفرق الناس عن علي ويميلوا إليك، فامنع عنه الفيء وخمس الغنائم واحبس عنه فدكاً (1).
انتفض أبو بكر مرعوباً، وقام من مجلسه فزعاً كمن عضته أفعى أو لدغته عقرب:
- ما تقول يا عمر؟! أين تريد بنا؟! أنهيج النزاع من جديد بعد ما هدأت صائلته، ونعود إلى القلق بعد ما انقطعت عنا غائلته؟! أما يكفينا من أهل بيت رسول الله ما قدمنا؟!.
- إنه كما أقول لك يا أبا بكر، ولا أريد بك إلا خيراً، وإنه لن ينفض عن آل رسول الله مريدوهم ما لم تفعل ذلك.
- والله إني لمتخوف مغبة هذا الأمر يا عمر.
- أطعني يا أبا بكر واسمع مشورتي، فأنك أن تفعل ذلك انفض عن علي شيعته، وأقبلوا إليك رغبة فيما عندك من الدنيا.
افعل ما أنت فاعل يا عمر، ولا تدخلني معك في هذا الأمر، فإني أراه أصعب من سابقه.
- قد علمت يا أبا بكر أنه هذا لا يكون، فأطعني فيما أقول.
- فامض إذن إلى وكيل فاطمة على فدك، فانزع الوكالة منه ولنرقب ما يكون بعد ذلك، ولكل حادث حديث(2).
- إني ماض لما أمرتني به، فهيئ للأمر عدته، والزم الحزم، وإياك أن يلحق بك الخور.
• ما هي فدك:
قال صاحبي: هذه بداية لطيفة مع هذا الحوار العجيب، أريد أن تحدثني بعده عن فدك هذه ما هي، وكيف صارت إلى الزهراء (عليها السلام)؟!
قلت: فدك قرية زراعية من قرى الحجاز تقع بالقرب من خيبر، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وهي أرض واسعة جداً فيها عين خوارة ونخيل كثيرة، وهي ذات قيمة عالية لوفرة مائها وكثرة نخيلها وطيب ثمرها(3).
وكانت فدك ملكاًً لليهود حتى السنة السابعة للهجرة، وحين نقض اليهود عهودهم التي أبرموها مع النبي (صلى الله عليه وآله) وراحوا يكيدون للإسلام والمسلمين، ويجرون الاتصالات مع المعسكر الوثني الجاهلي، ويقفون إلى جانبه في حربه على الإسلام، ويتآمرون لاغتيال النبي، صمم على قتالهم واجتثاث خطرهم المائل على الدولة الإسلامية.
ولما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر، واستحوذ عليهم الفزع، ودب في نفوسهم الذعر والهلع، فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك، فكانت فدك خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(4)، طبقاً لقوله تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير، ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[سورة الحشر:الآية 5 – 6].
وعند ما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه)[سورة الإسراء: الآية 26].
دخل رسول الله على ابنته فاطمة (عليها السلام) وعندها (أم أيمن) فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك خالصة له من دون المسلمين، وإن الله قد أمرني فقال (وآت ذا القربى حقه) فأنت أحق من أوتيه حقه، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك صداق ودين وفضل، وقد جعلت لك فدكاً بذلك نحلةً لك ولولدك من بعدك(5).
• موقف الزهراء (عليها السلام) من اغتصاب فدك:
وجدت الزهراء نفسها أمام مشكلة جديدة بعد خرق حرمة دارها، وفي مواجهة ابتزاز آخر بعد غصب الخلافة من زوجها علي (عليه السلام) وعرفت أن السلطة لن تدع آل رسول الله في محنتهم ومصيبتهم برسول الله، ولن تكتفي باغتصاب الخلافة منهم، وهاهو وكيلها يخبرها أنه الوكالة على فدك قد سحبت منه بأمر الخليفة، وأن فدك قد زويت عنها ملكيتها، فماذا تفعل الزهراء؟!، أتؤثر الجلوس في بيتها وتسكت عن هذا الابتزاز الجديد؟ أتتخاذل عن مواجهة المشكلة وهي تعلم أن القضية محبوكة من قبل السلطة وأزلامها وأنها ستكون خاسرة إن هي واجهت؟! أترضخ للظلم والجور؟ إنها لو فعلت لتعوّد المظلوم على الاستسلام للظلم، وازداد الظالم جرأة وإقداماً على الجور والظلم!، أم تنبري للمطالبة بالحق وفضح الظلم والجور، لتكون بذلك أسوة وقدوة لكل مظلوم فينتصب لظالمه يطالبه برفع الظلم عنه وإعادة الحق لصاحبه؟!
لاثت فاطمة خمارها، وشدت عليها إزارها، وانطلقت إلى أبي بكر في المسجد تقف قبالته ببسالة نادرة، تسأله وعمر إلى جنبه والمسلمون حوله:
- لم أخرجت وكيلي من فدك وهي نحلتي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
- ما بينتكِ؟ ومن يشهد لكِ؟
- أمن بنت رسول الله تطلب البينة يا أبا بكر، وعلى كلامها تريد الشهود؟!
- وما يميزكِ عن بقية الناس من أمة أبيك؟!
- أتجعل علمك جهلاً يا أبا بكر؟! ألست تعلم ما يميزني؟! ألست تقرأ كتاب الله تعالى، أفما تجد فيه قول ربك: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[سورة الأحزاب: الآية 33].
- أو ليس أولئك نساءه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
- أنى يستقيم لك ذلك يا أبا بكر وقد جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما نزلت عليه هذه الآية وضمنا أنا وعلي وابناي الحسن والحسين بكسائه دون جميع نسائه وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيراً، فجاءت زوجه أم سلمة، فجذبت الكساء تريد أن تدخل معنا، فقال لها النبي: مكانكِ يا أم سلمة، فقالت: أولستُ منهم يا رسول الله؟ قال: لا ولكنك إلى خير(6)، ويميزني يا أبا بكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
فاطمة بضعة مني(7)، وهي حوراء إنسية(، ولولا علي لم يكن لها كفؤ من آدم فما دونه(9)، وقوله كذلك: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة(10)، فهل في نساء الأولين والآخرين من هي مثلي؟!.
- فذلك في الفضل والمكانة يا خير النساء، لا في القضاء والمحاكمة.
- إذا كان الأمر كما تقول - وهو ليس كذلك - فاليمين علي لأن فدك كانت بحيازتي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والبينة عليك لأنك أخرجت وكيلي منها وحبستها عني.
- وكيف ذلك ولم يا ابنة رسول الله؟!
- أليست يدي كانت ثابتة على فدك أربع سنين في حياة رسول الله، أتصرف فيها تصرف المالك دون نكير، وكان وكيلي فيها حتى أخرجته أمس منها أنت وصاحبك هذا عمر؟!
- أنتِ صادقة يا فاطمة، لكن ذلك وأبوك حي، فكنت تتصرفين في مال أبيك، أما الآن وأنا خليفته فالأمر إلي أتصرف فيها كما كان يتصرف فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
- إن قولك هذا يا أبا بكر تلزمك فيه البينة ولا يلزمني أنا إلا اليمين، أم تريد أن تغير الأحكام وتبلي سنن الإسلام؟! أليس قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (البينة على من أدعى واليمين على من أنكر؟!)
- يا ابنة رسول الله، كنت تتصرفين في مال أبيك كحاكم على المسلمين، فلما خلفته آل أمر ذلك المال إليّ.
- أعنتاً تكرر ذلك القول وتصر عليه بلا حجة ولا برهان؟! إن الأمر ليس كما تدعي يا أبا بكر، ولكن أبي رسول الله قد نحلني فدكاً بأمر الله تعالى، فأصبحت ملكاً خالصاً لي ولذريتي من بعدي، فلا طريق لك إليها يا أبا بكر إلا بالبينة.
- ألست من الأول قد سألتك الشهود على ذلك؟!
- إذن هو أمر أبرمته وأعددت جوابك عليه سلفاً، ونصبت نفسك قاضياً، وحقّك أن تكون مدّعياً، وطلبت البينة مني وهي عليك، فأنت يريدني أن أطلب الشهود وقد قدمت لك ما قدمت؟!.
- ما أنت إلا صادقة مصدوقة يا خير النساء وبنت خير الأنبياء، ولابد من الشهود.
- مع إصرارك على موقفك، وطلبك الشهود من المدعى عليه، المهضوم حقه، المغصوب ماله، فأحب أنه أبين لك أن لدي شهوداً صادقين مصدوقين، طاهرين مطهرين، لا تُردُّ شهادتهم ولا يُراجع كلامهم، فأقم قاضياً يحكم بيني وبينك بكتاب الله وسنة رسول الله.
هلمي شهودك يا فاطمة، فلا قاضي في هذا الأمر سواي.
• مع الشهود على قضية فدك:
مع إصرار أبي بكر على تنصيب نفسه خصماً وحكماً في آن واحد في هذه القضية المحبوكة والمؤامرة المدبرة، تقدم علي (عليه السلام) بشهادته فقال:
- دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ابنته فاطمة وعندها أم أيمن، فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك خالصة له من دون المسلمين وإن الله قد أمرني فقال (وآت ذا القربى حقه) فأنت أحق من أوتيه حقه، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك صداق ودين وفضل، وقد جعلت لك فدكاً بذلك نحلة لك ولولدك من بعدك(11).
ثم جاءت أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقفت أمام أبي بكر وعمر وقالت:
- أتعرفاني أم أعرّفكما نفسي؟!
- ومن لا يعرفك يا أم أيمن؟!
- ألستما تعلمان وتشهدان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أراد (أو من سره) أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن(12)؟!
- بلى نعم ونشهد.
- وهل يدخل الجنة كذاب أو مدّع ؟!
- حاشا لله، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، والمؤمن لا يكذب أبداً.
- فإني - وأنا امرأة من أهل الجنة - أشهد أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيّه (وآت ذا القربى حقه) فجعل النبي لا بنته فدكاً بأمر الله، لها ولذريتها(13).
قال أبو بكر:
- فرجل آخر أو امرأة أخرى لتكتمل البينة وتستحقي القضية(14).
وعجبت فاطمة من إصرار أبي بكر ومضيّه في هذا العناد، رغم وضوح القضية وصدق الشهادة، إن من هو خير من أبي بكر قد قبل شهادة من هو أدنى من علي وسماه (ذا الشهادتين) فكيف بأبي بكر وقد شهدت أم أيمن مع علي وهي أمرأة من أهل الجنة لا تخش غائلتها ولا يخاف نسيانها(15).
ثم جاء الحسنان فشهدا بما شهدت به أم أيمن، ثم جاءت أم المؤمنين أم سلمة، وأسماء بنت عميس - وهي يومئذ زوجة أبي بكر - فشهدتا كذلك.
وأسقط في يد أبي بكر فسكت، فما كان يظن أن يشهد كل هؤلاء مع الزهراء، وأطرق برأسه إلى لأرض، لعل فكره المتوقد وذهنه الفطن ينجده بجواب أو يسعفه بمخرج من هذا المأزق.
وتصدى ابن الخطاب إذ رأى الخليفة ساكتاً مطرقاً، وراح يطعن بأولئك الشهود، قال عمر:
- أما علي فزوجها، وأما الحسنان فابناها، وهم يجرّون القرص إلى أنفسهم(16)، وأما أسماء بنت عميس فكانت زوجة جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم(17)، وأما أم أيمن فامرأة أعجمية لا تفصح(18).
وهنا أنبرى علي يرد مقالة عمرو يسفه رأيه:
- أما فاطمة فبضعة من رسول الله، من آذاها فقد آذى رسول الله، ومن كذّبها وردّ عليها فقد كذّب رسول الله وردّ عليه، وأما الحسن والحسين فابنا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة، من كذبهما فقد كذب رسول الله إذ كان أهل الجنة صادقين، وأما أنا فقال لي - رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، والرادّ عليك كالرادّ عليّ، من أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني، وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله بالجنة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها وهي صاحبته الهجرتين، وأما أم سلمة فهي زوجة رسول الله وأم المؤمنين وقد شهد لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أنت إلى خير.
- أنتم كما وصفتم به أنفسكم، ولكن شهادة الجارَّ إلى نفسه لا تقبل.
- إذا كنا نحن كما تعرفون ولا تنكرون، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لنالا تقبل، فإنا لله وإنا إليه راجعون(19).
ورفع أبو بكر رأسه مشرق الوجه متهلل الأسارير، وقد أعجبه طعن عمر بشهادة هؤلاء الشهود، فتمسك به متغافلاً عن تفنيد عليّ لزعم عمر وردّه عليه، والتفت إلى الزهراء يعيد عليها مقالته الأولى:
- يا ابنة رسول الله، هذا مال كان بيد أبيك، وكان يعطي منه أهله ونساءه مؤونة سنتهم وينفق الباقي في مصالح المسلمين، وقد آل أمر هذا المال إليّ، ولن أعدو فيه تصرف رسول الله.
- ومن يشهد لك بذلك يا أبا بكر؟
- يشهد لي المسلمون ممن حضر فسمع، أو غاب ثم علم.
- هلم شهودك فليشهدوا يا أبا بكر، وإني لأظنهم سيشهدون زوراً وبهتاناً.
وتوجه أبو بكر إلى الحاضرين من المسلمين يسألهم:
- من سمع أو علم فليتقدم فليشهد بما سمع أو علم.
وقالت فاطمة للمسلمين: -(ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى)[سورة طه: الآية 61].
أحجم المسلمون جميعاً فلم يتقدم منهم أحد، وطفق أبو بكر يتأمل وجوه القوم قلقاً، وما أسرع ما بادر عمر فشهد على ما قاله أبو بكر، وتلاه عبد الرحمن بن عوف فشهد مثل شهادته، فالتفت أبو بكر إلى فاطمة يطيب خاطرها ويهدئ من سورتها إذ شعر أنه قد ربح القضية أخيراً:
- صدقت يا ابنة رسول الله وصدق زوجك علي وصدقت أم أيمن وأم سلمة وأسماء، وصدق عمر وعبد الرحمن، وذلك أن مالك لأبيك(20)، فكان يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله(21).
وكم عجبت أم سلمة من جرأة عمر على سيد الأوصياء وابنيه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وأمهما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين حين نسب إليهم الإقدام على طلب غير الحق، والإدلاء بشهادات باطلة جراً للنفع إلى أنفسهم، كما عجبت من طعنه بالشهادات التي أدلت بها هي وأسماء بنت عميس وأم أيمن، وعجبت أكثر ما يكون العجب من خليفة ينصب نفسه قاضياً في قضية هو طرف فيها، ثم لم يكتف بذلك حتى رجح شهادة عمر وابن عوف على شهادة علي والحسنين وأم سلمة وأم أيمن وأسماء، ليتمكن بذلك من رد فاطمة خائبة خاسرة، فالتفتت إلى أبي بكر وعمر تقول لهما وهي تغادر المجلس: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً)[سورة الكهف: الآية 5].
لكن الزهراء (عليها السلام) لم تسلّم بحكم أبي بكر، ولم تستسلم أمام مناورته ومداورته، وإنما انتقلت به إلى مورد أصعب، ووضعته في موقف أحرج:
- إذا رددتم بيّنتي الواضحة، وكذبتم شهودي الصادقين، فإني أطالبكم بحقي من فدك ميراثاً من أبي.
وسكت أبو بكر وعمر طويلاً عاجزين عن جواب فاطمة، فما كان يدور في خلدهما أن توردهما فاطمة هذا المورد، ولذلك لم يكونا قد أعدا جواباً لدفع هذا الطلب.
وفيما تنفس المسلمون في المسجد الصعداء، ظانين أن الزهراء قد ربحت القضية، وانجابت عنهم غمة هذه الظلامة الفادحة، فاجأهم أبو بكر يقول لفاطمة:
- لقد سمعت أباك يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).
يالله على هذه الفرية التي تخالف كتاب الله وسنة رسول الله، وتجافي ما يعلمه المسلمون من دينهم وشريعة نبيهم، واندفعت الزهراء تعنف أبا بكر وتفند دعواه هذه.
- أفي دين الله يا أبا بكر أن ترث أباك وترثك بناتك ولا أرث أبي؟! وكتاب الله بين أيديكم يتلى أناء الليل وأطراف النهار، وفيه قول الله عز وجل: (وورث سليمان داوود)[سورة النمل: الآية 16]، وفيه دعاء زكريا (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً)[سورة مريم: الآية 5 - 6].
- أبوك خاتم الأنبياء وناسخ الشرائع، وقد قال: لا نورث.
- أبي لا يخالف قرآن ربه فلقد كان خلقه القرآن، أفكان رسول الله يعلمك ويتركنا نجهل - نحن الأقربين - والله سبحانه يقول له (وانذر عشيرتك الأقربين)! أم كنت تظن أنه أعلمنا فكتمنا علمه وخالفنا شرعه؟!
ونادى أبو بكر في الحاضرين:
- ألا من سمع أو علم فليشهد بما سمع أو علم.
وشهدت عائشة بنت أبي بكر لأبيها ودعمت شهادتها حفصة بنت عمر، واكتمل حبك المؤامرة بشهادة رجل من الأعراب يدعى أوس بن الحدثان أو مالك بن أوس بن الحدثان فشهد أنه سمع كما سمع أبو بكر(22).
ومرة أخرى تدخلت أم المؤمنين أم سلمة فأطلعت رأسها من باب حجرتها المطلة على المسجد، وقالت تخاطب الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار:
- ألمثل فاطمة يقال هذا الكلام وهي الحوراء بين الإنس، والأنس للنفس؟! ربّيت في حجور الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في المغارس الطاهرات، أتزعمون أن أباها رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! أم أنه أعلمها وخالفت عن قوله وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم بنت عمران!!.. واهاً لكم وسوف تعلمون(23).
وعقبت فاطمة قبل أن تجر أذيالها خارجة من المجلس:
- ألا إن هذه أول شهادة زور في الإسلام.
ثم انكفأت إلى دارها ومازالت مريضة حتى لحقت بأبيها غاضبة على أبي بكر وعمر ودفنها زوجها علي سراً وليلاً دون أن يتيح لهما التظاهر أمام المسلمين بأنهما يودان فاطمة ولا يحملان لها ضغناً ولا كرهاً، وطفق المسلمون يضربون كفاً بكف أسً وحسرة ويقول بعضهم لبعض: لم يخلف فينا نبينا إلا بنتاً واحدة، تموت وتدفن ولم نحضر وفاتها ولا الصلاة عليها ولا نعرف قبرها فنزورها(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فاطمة الزهراء المرأة النموذجية في الإسلام للشيخ إبراهيم الأميني ص 129 - 120 ينقله عن ناسخ التواريخ - جزء الزهراء ص 122 - أعيان النساء ص 420 للحكيمي ينقله عن الكشكول للسيد حيدر الآملي. وما أشبه قول عمر هذا بما قاله المنافقون يوصي بعضهم بعضاً (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا...)[سورة المنافقون: الآية 7].
2- فاطمة الزهراء صوت الحق وصرخة الصدق ص 224 - 226 المؤلف.
3- انظر: لسان العرب لابن منظور مادة فدك - المصباح المنير للفيوضي - البلاذري في فتوح البلدان ص 46 - ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 14 ابن الأثير في الكامل في التاريخ ج 3 ص 221.
4- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 3 ص 98 طبعة دار القلم - بيروت ، السيرة الحلبية ج 3 ص 58 - 59 طبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، يذكر أن أهل فدك صالحوا رسول الله على أن يحقن دماءهم ويخلوا بينه وبين الأموال، وقيل تصالحوا معه على أن يكون لهم نصف الأرض ولرسول الله المنصف لآخر، فكانت فدك على القول الأول كلها لرسول وعلى الثاني كان له نصفها فقط وانظر المصادر المذكورة في الحاشية السابقة وتاريخ ابن خياط ص 28 - 40.
5- المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 - والهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 49 والذهبي في ميزان الاعتدال ج 2 ص 228 والمتقي الهندي في كنز العمال ج 2 ص 158 والحاكم في التاريخ وانظر فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج 3 ص 136.
6- صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة الحديث - رقم 4450 - الترمذي في كتاب الأدب حديث رقم 2728 وفي كتاب تفسير القرآن الحديث 2129 و 2120 - أبو داوود في كتاب الليالي الحديث رقم 2512 - أحمد في باقي مسند المكثرين الحديث - رقم 1220 وفي باقي مسند الأنصار الحديث رقم 24122 و 25200.
7- أخرجه البخاري.
8- بحار الأنوار ج 26 ص 261 و ج 43 ص 4- 6.
9- كشف الغمة ج 2 ص 98 عن الصدوق - أمالي الطوسي ج 1 ص 42 - مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 29.. عيون أخبار الرضا ج 1 ص 177 - بحار الأنوار ج 43 ص 97 و 107 و 141 - عوالم العلوم والمعارف ج 11 ص 128 - 141.
10- أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
11- رواه المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 عن كتاب الخرائج للراوندي - وذكره الميرزا محمد علي الأنصاري في اللمعة البيضاء شرح خطبة الزهراء ص 380 - وأورده المفيد في الاختصاص - ونقل كل ذلك الحكيمي في أعيان النساء ص 421.
12- الإصابة لابن حجر ص 422 عن سفيان بن عيينة وقال: فتتزوجها زيد بن حارثة - تهذيب التهذيب ج 12 ص 459 - أعلام النساء للزركلي ج 1 ص 107 - أسد الغابة ج 5 ص 567 - كما ذكرها البخاري في قاموس الرجال وابن سعد في الطبقات.
13- الطبري في الاحتجاج ج 1 ص 121 - المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 105 - الميرزا الأنصاري في الحجة البيضاء ص 28 الجوهري في السقيفة وفدك ص 102 - 107 ونقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 112 طبع بيروت 1954 والشيخ المفيد في الاختصاص وذكر ذلك الحكيمي في أعيان النساء ص 420 - 421.
14- في السيرة الحلبية ج 3 ص 399 طبع مصطفى البابي الحلبي - مصر، فقال لها أبو بكر: أبرجل وامرأة تستحقين ؟!.
15- قصة خزيمة بن ثابت الأنصاري قصة معروفة ومشهورة، ولأجلها سماه النبي ذا الشهادتين، وقد جاء أبا بكر بآية من القرآن لم يذكرها غيره فقبلها منه وضمها إلى القرآن لهذا السبب، فأيهما أعظم: فدك أم القرآن؟ وأيهما لا يجب قبول شهادته: خزيمة بن ثابت أم أم أيمن؟!.
16- في بعض الروايات: وهم يجرون النار إلى قرصهم، وحاشاهم وهم ما هم في الفضل والعلم والتقوى والسابقة، فأنى لعمر ولغير عمر أن يوجه إليهم هذا الاتهام الباطل!!.
17- تزوج أبو بكر أسماء بنت عميس بعد استشهاد زوجها الأول جعفر، وكانت زوجة أبي بكر عندما شهدت هذه الشهادة أمامه.
18- الطبري في الاحتجاج ج 1 ص 90 - 91، والحكيمي في أعيان النساء ص 421.
19- المصدر السابق.
20- يا سبحان الله، مال الابن لأبيه.. نعم، ولكن ذلك مشروط بشرطين: الأول أن يكون ذلك في حياة الأب لا بعد مماته، والثاني يتعلق برغبة الأب في تناول مال الابن، أما هنا فلا مجال لتحقق أي من الشرطين، فالمال كان للأب فنحله للابن، ثم إن الأب توفي والمال في يد الابن، فبقي المال خالصاً للابن لاحق لأحد أن ينازعه فيه.
21- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 111.
22- كشف الغمة ج 2 ص 104، الاحتجاج ج 1 ص 121، شرح نهج البلاغة ج 16 ص 274.
23- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري ص 29.
24- بحار الأنوار ج 43 ص 212
[b]
مواضيع مماثلة
» الزهراء (عليها السلام) في بيت الزوجيّة
» برنامج الزهراء عليها السلام
» بأي حق ظلمت الزهراء عليها السلام
» برنامج الزهراء عليها السلام
» بأي حق ظلمت الزهراء عليها السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت نوفمبر 12, 2011 4:27 am من طرف يتيم فاطمة
» تِلكُم أمّ أبيها
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:28 pm من طرف يتيم فاطمة
» شذرات نبويّة.. على جبين فاطمة عليها السّلام
الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:26 pm من طرف يتيم فاطمة
» يوم الوقت المعلوم
الإثنين يوليو 04, 2011 10:14 pm من طرف يتيم فاطمة
» اشراقات حسينية في الثورة المهدوية
الإثنين يوليو 04, 2011 10:09 pm من طرف يتيم فاطمة
» ملامح الدولة العالمية على يد الإمام المهدي عليه السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 10:07 pm من طرف يتيم فاطمة
» أسماء وألقاب السيدة المعصومة
الإثنين يوليو 04, 2011 10:03 pm من طرف يتيم فاطمة
» علم السيدة المعصومة عليها السلام ومعرفتها
الإثنين يوليو 04, 2011 10:01 pm من طرف يتيم فاطمة
» ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
الإثنين يوليو 04, 2011 9:58 pm من طرف يتيم فاطمة