منتدى دمعة فاطمة
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم اهلا وسهلا بجميع الموالين حفظكم الله ورعاكم بحق المظلومة صلوات الله وسلامه عليها

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى دمعة فاطمة
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم اهلا وسهلا بجميع الموالين حفظكم الله ورعاكم بحق المظلومة صلوات الله وسلامه عليها
منتدى دمعة فاطمة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
»  لنعيش مع صاحب العصر والزمان ارواحنا فداه من خلال قصص الاعلام
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 12, 2011 4:27 am من طرف يتيم فاطمة

» تِلكُم أمّ أبيها
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 10, 2011 9:28 pm من طرف يتيم فاطمة

» شذرات نبويّة.. على جبين فاطمة عليها السّلام
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 10, 2011 9:26 pm من طرف يتيم فاطمة

» يوم الوقت المعلوم
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 10:14 pm من طرف يتيم فاطمة

» اشراقات حسينية في الثورة المهدوية
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 10:09 pm من طرف يتيم فاطمة

» ملامح الدولة العالمية على يد الإمام المهدي عليه السلام
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 10:07 pm من طرف يتيم فاطمة

» أسماء وألقاب السيدة المعصومة
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 10:03 pm من طرف يتيم فاطمة

» علم السيدة المعصومة عليها السلام ومعرفتها
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 10:01 pm من طرف يتيم فاطمة

» ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
فاطمة مشكاةالانوار جزء 4 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 04, 2011 9:58 pm من طرف يتيم فاطمة

التبادل الاعلاني

فاطمة مشكاةالانوار جزء 4

اذهب الى الأسفل

M4 فاطمة مشكاةالانوار جزء 4

مُساهمة  يتيم فاطمة الإثنين ديسمبر 06, 2010 9:42 pm

المحاضرة الرابعة ••• (65)
--------------------------------------------------------------------------------
فاللّه‏ سبحانه نور الأنوار ومنوّر النور ، وإنّه نور السماوات والأرض ، وفي
مقام تمثيل وتصوير وتجسيم هذا النور الأتمّ المجرّد ، وأ نّه يتجلّى في أشرف
خلقه محمّد وآله الطاهرين عليهم‏السلام ، فإنّ اللّه‏ واجب الوجود لذاته في ذاته بذاته ،
سبحانه مجرّد مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال والكمال ، إلاّ أ نّه يتجلّى
بأسمائه وصفاته في خلقه ، وجامع الجمع لأسماء اللّه‏ الحسنى وصفاته العليا هو
الرسول الأعظم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فهو الصادر الأوّل والإنسان الكامل والروح الأعظم ،
وإنّ اللّه‏ سبحانه أوّل ما خلق نوره الأقدس فهو المصباح ، إلاّ أنّ هذا المصباح
النبوي والذي زجاجه أمير المؤمنين علي عليه‏السلام إنّما هو في مشكاة وهي فاطمة
الزهراء عليهاالسلام .
فتعريف النبيّ والوصيّ ومعرفة النبوّة والإمامة إنّما هو بفاطمة الزهراء عليهاالسلام
كما في حديث الكساء الشريف ، فعندما تسأل الملائكة ربّ العالمين عمّن تحت
الكساء ، فيأتي الخطاب من مصدر الجلالة ( هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) ،
فإنّها عليهاالسلام تجمع الأنوار النبويّة والعلويّة ، وإنّها بنت النبيّ وزوج الوصىّ واُمّ الأئمة
النجباء عليهم‏السلام .

السرّ في مشكاتيّة فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
وإنّما عبّر سبحانه عن فاطمة بالمشكاة للطيفتين : الجامعيّة و ( الشموليّة )
والمانعيّة و ( الحافظيّة ) .
أمّا الاُولى :
فإنّ العرب من أجل أن لا تطفأ شعلة السراج أو الفانوس أو المصباح ، فإنّه
(66) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
يضعونه في بيت زجاجي حفاظا عليه ، ثمّ يوضع في الكوّة والمشكاة . ليضيء
الأطراف ، أو الجانبين من الحمّام والمنزع ـ كما ذكرنا ـ والضوء تارة يعبّر عنه
بالسراج واُخرى بالمصباح . والثاني أكثر ضوءا من الأوّل ، فما كان فيه النور
الساطع بحيث يطرد الظلام ، ويجعل الموضع كالصبح من أثر الضوء ، فإنّه يسمّى
بالمصباح ، فالنبيّ هو المصباح كما أنّ الإمام الحسين عليه‏السلام هو المصباح ( حسين
منّي وأنا من حسين ) وإنّه كتب على عرش اللّه‏ بلون أخضر ( إنّ الحسين مصباح
الهدى وسفينة النجاة )(1) وفي زيارة الجامعة الكبرى عبّر عن الأئمة الأطهار عليهم‏السلام
بمصابيح الدجى وأنّ اللّه‏ خلقهم أنوارا فجعلهم بعرشه محدقين(2) . فلا ليل ولا ظلام
فيهم ، بل وجودهم وحياتهم نور يطرد الظلام والسواد .
عن الإمام الصادق عليه‏السلام : واللّه‏ إنّ أمرنا هذا ـ أي الإمامة والولاية ـ أوضح
من نور الشمس .
فهؤلاء الأئمة عليهم‏السلام إنّما هم أنوار قدسيّة ومصابيح إلهيّة ، ومن لم يرهم فإنّما
في عينه الرمد ، وإنّه أعمى القلب . كمن لا يرى الشمس ونورها لعمى فيه .
ثمّ أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام هو زجاج هذا المصباح النبوي ، فإنّ الزجاجة
من خصائصها أ نّها تعكس النور ، وتحفظ شعلة المصباح من الأرياح وممّا يوجب
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ذكرت شرح هذا الحديث الشريف في ثلاثمائة صفحة في كتاب ( الإمام الحسين في
عرش اللّه‏ ) في المجلّد السادس من موسوعة ( رسالات إسلاميّة ) ، مطبوع ، فراجع .
(2) لقد تعرّضنا إلى خلق الأئمة النوراني في كتاب ( الأنوار القدسيّة ) وهو مطبوع في المجلّد
السابع من موسوعة ( رسالات إسلاميّة ) ، فراجع .
المحاضرة الرابعة ••• (67)
--------------------------------------------------------------------------------
إطفاؤه ، فالإمامة والخلافة الحقّة المتمثّلة بعلي وأولاده الطاهرين تحفظ لنا خطّ
النبوّة عن الانحراف والاضمحلال وإطفاء نوره وخمود ضوئه ، وتنشره في العالم
التكويني والتشريعي . والزجاجة الثانية في قوله تعالى إشارة إلى الإمام الحسن
المجتبى عليه‏السلام ، والكوكب إلى الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه‏السلام ، والدرّي إلى
الإمام السجّاد زين العابدين عليّ بن الحسين ، وهكذا إلى قوله تعالى « يَهْدِي اللّه‏ُ
لِنُورِهِ » ـ أي للإمام المهدي القائم من آل محمّد عليهم‏السلام ـ « مَنْ يَشَاءُ » من
عباده .
ثمّ يضرب اللّه‏ الأمثال للناس لعلّهم يتفكّرون ويتعقّلون ، فإنّه جلّ جلاله
ضرب مثلاً لنوره كالمشكاة التي فيها المصباح ، ثمّ أخبر مرّة اُخرى أنّ هذه
المشكاة بما فيها من الأنوار القدسيّة إنّما هي في بيوت أذن أن ترفع شأنها ويعلو
مقامها ويذكر فيها اسمه ، فقال سبحانه : « فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّه‏ُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ » أي نور اللّه‏ الذي كالمشكاة فيها مصباح يكون في هذه البيوت الذي أذن
اللّه‏ أن ترفع أقدارها وتعظم ساكنيها . وإنّها بيوت الأنبياء والأوصياء والعلماء
الصالحين ، وأنّ من أفاضلها بيوت محمّد وآل محمّد عليهم‏السلام .

لماذا فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار :
أمّا إنّه لماذا عرّف اللّه‏ سبحانه صفيّته ومظهر عصمته وطهارته فاطمة
الزهراء عليهاالسلام بالمشكاة ؟ إذ أنّ كمال النبيّ الجامع لجماله وجلاله ـ أي الصفات
الجماليّة والصفات الجلاليّة ـ إنّما يتجلّى في فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فكما أنّ سلامة
المصباح وحفاظه في المشكاة ، فكذلك النبيّ بصفاته الكماليّة إنّما هو في فاطمة
(68) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الزهراء عليهاالسلام .
وما أروع مقوله الخميني قدس‏سره أ نّه لو كان بعد النبيّ نبيّا لكانت فاطمة ، فإنّه
إشارة إلى هذا المعنى كما يقول الشاعر :
هي أحمد الثاني .
وإذا عرّف شخص في خطاباته وبياناته شخصا آخر بمثل هذه التعابير : أ نّه



بضعة النبيّ ، نور عيني ، بهجة قلبي ، روحي التي بين جنبَيّ ...
فإنّه من مجموع هذه الأوصاف والحكايات نستنتج أنّ ذلك الشخص إنّما
هو من وجوده الخاصّ ، كما ورد في حديث الكساء ( هم منّي وأنا منهم ) وورد
( يؤلمني ما يؤلمهم ، ويسرّني ما يسرّهم ) .
يقول فخر الرازي إمام المشكّكين في تفسير آية التطهير : إنّ أهل البيت
يساوون النبيّ في خمس صفات ، منها : الطهارة ، فالنبيّ طاهر كما في قوله تعالى :
« طه * مَا أ نْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى »(1) ، أي يا طاهر ، وكذلك أهل البيت
عليهم‏السلام يشتركون ويساوون النبيّ في طهارته ونزاهته وعصمته .



فاطمة الزهراء روح النبيّ :
وقد عبّر النبيّ الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عن فاطمة الزهراء أ نّها ( روحي التي بين جَنبَيَّ )
وقد ذُكر لهذا الحديث الشريف معانٍ عديدة :
منها : أنّ اللّه‏ سبحانه لمّا خلق روح النبيّ ، فإنّه بعد تولّدها امتازت بالعلم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) طه : 1 ـ 2 .
المحاضرة الرابعة ••• (69)
--------------------------------------------------------------------------------
والعمل ، أي بالعلم اللدنّي منه سبحانه ، وبالعبادات ، فاتّصل روح النبيّ بالعلم
والعمل ، والزهراء إنّما هي روح النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله متّصلاً بجنبي العلم والعمل .
ومنها : كان للنبيّ جنبتان : الرسالة والولاية التكوينيّة والتشريعيّة ، فإنّه
يجري الحدود الإلهيّة بولايته ، فظاهره النبوّة وباطنه الولاية ـ كما ورد في
الحديث النبوي الشريف ـ وفاطمة الزهراء عليهاالسلام هي الروح النبوي التي تجمع
الرسالة السماويّة السمحاء والولاية الإلهيّة العلياء .
وكما ورد في الحديث الشريف : لقد كانت مفروضة الطاعة على جميع
ما خلق اللّه‏ من الجنّ والإنس والملائكة والأنبياء حتّى الوحوش ، ففي عالم
الأنوار والعناصر إذا أمرت فاطمة عليهماالسلام ، فإنّه يجب على الجميع إطاعتها ، فإنّ
رضا اللّه‏ في رضاها ، كما أنّ رضاها في رضا اللّه‏ ، وإنّ اللّه‏ يغضب لغضب فاطمة
ويرضى لرضاها ، وهذا من الولاية الكلّية التكوينيّة التي كانت للنبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله .
ومنها : أنّ النبيّ كان يمتاز بجانبي الملكوت والناسوت ، فإنّه بشر ، إلاّ أ نّه
يوحى إليه « قُلْ إنَّمَا أ نَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ »(1) ، فإنّه واسطة فيض بين
الخالق والمخلوق ، فاُذنه السامع للوحي ولسانه الناطق للخلق ، فيجمع بين العالم
الملكوتي والعالم الناسوتي ، وفاطمة الزهراء عليهاالسلام هي الروح النبويّة بين جنبي
الملكوت والناسوت .
فهي عليهاالسلام المشكاة ، أي الجامعية التي كانت في النبيّ الأكرم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إلاّ
النبوّة .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكهف : 110 .


(70) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الإسلام دين العلم والعمل :
الإسلام إنّما هو دين العلم والمحاسن ، والازدهار والتطوّر والتمدّن
والحضارة ، فما أكثر النصوص الساطعة والبراهين القاطعة من الآيات الكريمة
والأحاديث الشريفة تنصّ على هذا الاُمور ، فإنّ الإسلام العظيم يدعو معتنقيه إلى
الفقه والعلم كما يحثّهم إلى أن يتحلّوا بالفضائل والمكارم والصفات الحميدة
والأخلاق الطيّبة ، بعد أن يهذّبوا أنفسهم ، ويخلوا وجودهم من الرذائل والسجايا
الذميمة والأخلاق السيّئة .






أمير المؤمنين جلالة الفقه :
في يوم من الأيام طلب النبيّ الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله من عبد اللّه‏ بن مسعود أن يعلّم
أعرابيّا ـ دخل في الإسلام جديدا ـ القرآن الكريم ، فما أن قرأ له سورة الزلزال
وقوله تعالى : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَـرَه »(1) ، قال الأعرابي : كفاني هذا ،
فإنّ هذا الدين يدعو إلى الخير والاجتناب عن الشرّ ، فرجع إلى قومه مسلما
صالحا ، وقال النبيّ في حقّه : جاء أعرابيّا ورجع فقيها .
والفقه لغةً : بمعنى الفهم ، والفهم يرادف العلم أو يلازمه ، ويسمّى بالفقه
الأكبر .
واصطلاحا عند فقهاء الإسلام : الفقه يعني استنباط الأحكام الشرعيّة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الزلزال : 7 .
المحاضرة الرابعة ••• (71)
--------------------------------------------------------------------------------
الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ، ويسمّى بالفقه الأصغر ، والأوّل واجب عيني(1) ،
والثاني واجب كفائي .
وقد ورد عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : لو كان الفقه رجلاً لكان عليّا عليه‏السلام .
وهذا يعني أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام جمع الفقه كلّه ، فإنّ بداية الفقه كان
عند آدم عليه‏السلام ، ثمّ تدرّج في الأنبياء والأوصياء والأولياء والصلحاء ، إلاّ أ نّه قد
جُمع كلّه في عليّ عليه‏السلام .
كما ورد في الحديث النبويّ الشريف ـ عند السنّة والشيعة : من أراد
أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوحه في حلمه ... ـ . فلينظر إلى عليّ بن
أبي طالب عليه‏السلام .
فقد جمع أوصاف الأنبياء وعلومهم ومعارفهم وجسّد الفقه الأكبر
والأصغر .
في الحديث النبويّ الشريف : ولولا عليّ لم يكن لفاطمة الزهراء كفؤ ، آدم
ومن دونه .
فإنّها تساويه وتكافئه في الفضائل والمحامد .





فاطمة الزهراء حُسن اللّه‏ :
ثمّ قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : ولو كان الحسن شخصا لكان فاطمة بل هي أعظم .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) إذ يجب على كلّ مسلم بالغ أن يفهم دينه ويتعلّم المسائل التي يبتلى بها ، فإنّ العلم فريضة
على كلّ مسلم ومسلمة .
(72) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فإذا كان عليّ عليه‏السلام هو الفقه والعلم ، فإنّ فاطمة هي الحسن والجمال ، فإنّها
تجمع جميع المحاسن سواء الاعتقاديّة أو الأخلاقيّة أو العباديّة أو العقلائيّة أو
العقليّة ، وكلّ ما كان في وجود الأنبياء والأوصياء والأولياء والملائكة ، وفي
السماوات والأرضين ، وفي الطبيعة وما ورائها ، فإنّ الحسن المطلق ومطلق
الحسن وهو اللّه‏ سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا يتجلّى جماله وحسنه في
فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
فلو جمع اللّه‏ المحاسن والجمال كلّه في شخص ثمّ نفخ فيه من روحه ، فإنّه
يكون فاطمة الزهراء سلام اللّه‏ عليها .



ولا غرو فإنّ هذا التعبير الدقيق ورد في حقّ الأئمّة الأطهار عليهم‏السلام أبناء
فاطمة الزهراء عليهاالسلام كما في زيارة الجامعة الكبرى التي هي من أصحّ الزيارات
سندا ودلالة ، وفيها : ( والحقّ معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه
وميراث النبوّة عندكم ) .
فكلّ ما نزل به الملائكة على الأنبياء فإنّه مخزون عند الأئمّة الأطهار
عليهم‏السلام ، وأيّ حُسن يذكر من العلم والحلم والكرم ، وأيّ صفة حسنة في العوالم
كلّها ، فإنّ أصله وأوّله ومنتهاه عندهم عليهم‏السلام .
« إن ذكر الخير كنتم أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه »(1) .
فهم معدن الخير وأصله ومنتهاه ، فجذور جميع الخيرات واُصول المحاسن
كلّها والشموخ والعظمة إنّما هي في الأئمّة عليهم‏السلام ، وما عندهم إنّما هو من اُمّهم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) زيارة الجامعة ـ مفاتيح الجنان .
المحاضرة الرابعة ••• (73)
--------------------------------------------------------------------------------
فاطمة الزهراء التي هي مشكاة مصابيح الهدى . كما ورد في تأويل قوله تعالى :
« مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه‏ِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ
سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّه‏ُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللّه‏ُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ »(1) .
قال الإمام الصادق : الحبّة هي فاطمة الزهراء صلّى اللّه‏ عليها ، والسبع
السنابل سبعة من ولدها سابعهم قائمهم(2) . وسبع سنايل هم الأئمة السبعة من
أولادها بدءا من الإمام الصادق وحتّى الإمام المهدي عليهم‏السلام وإنّما خصّ هؤلاء مع
أنّ الحسن والحسين من سنابلها أيضا ؛ لأنّ علوم الزهراء ومحاسنها إنّما اشتهرت
وانتشرت في عصر الإمام الصادق وإلى يومنا هذا .
وإذا لم تكن الحبّة فكيف يكون الزرع ؟ وكيف يكون عمل الزارع
وفلاحته ؟ فالزهراء حبّة ، وقد زرعها اللّه‏ سبحانه وسقاها محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ورعاها
أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام ، والأئمة الأطهار من أولادها إنّما هم سنابلها الطيّبة ،
وكلّ بركة في السنبل إنّما يرجع إلى أصله ، أي يكون من الحبّة ، فالبركات كلّها من
المباركة الطاهرة المطهّرة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، والأئمّة وذرّيتها
وشيعتها يرثونها في كلّ حسن وفضيلة وخير ، فلو كان الحسن شخصا لكان فاطمة
بل هي أعظم . إذ أ نّها تخلق الحُسن أيضا فلا تعادل وتساوي الحسن وحسب بل
تبدع وتخلق الحسن وتفطم محبّيها عن الرذائل وعن جهنّم ، كما ورد في وجه
تسميتها بفاطمة إنّها تفطم محبّيها من نار جهنّم وتلتقطهم في المحشر كما يلتقط
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البقرة : 261 .
(2) تفسير البرهان 1 : 253 .
(74) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء ، فتحفظ شيعتها من الرذائل ، إذ أ نّها مظهر
الحسن والجمال الإلهي .

فاطمة الزهراء اُمّ المحاسن :
إنّها اُمّ الحسن والحسين والمحسن عليهم‏السلام ، وإنّها اُمّ زينب التي هي زينة أبيها
أمير المؤمنين عليه‏السلام فيتجلّى الحسن الفاطمي الإلهي في أولادها الأبرار الأئمة
الأطهار عليهم‏السلام .
فالزهراء مشكاة المحاسن والفضائل يتجلّى فيها المصابيح الإلهيّة ، وإنّ اللّه‏
سبحانه في سورة النور عرّف الظرف أوّلاً ثمّ المظروف من باب ( ثبّت الأرض ثمّ
انقش ) ، فعرّف فاطمة الزهراء بأ نّها المشكاة ، ثمّ نبيّه الأكرم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بأ نّه
المصباح ، وهكذا الأئمّة الاثنا عشر عليهم‏السلام مصابيح الهدى .
فما أجمل التعبير القرآني في توصيف فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، عبّر عنها
بالمشكاة كما عبّر عن نبيّه بالمصباح ، وعن وليّه بالزجاجة ، فيعني أ نّها تضمّ بين
حناياها وفي وجودها الكمالات النبويّة والمعالي الولويّة ، فإنّها تجمع كلّ أبعاد


الشخصيّة الإسلاميّة ورسالات السماء التي جاء بها النبيّ وحفظها الوصيّ ،
فالمصباح ونوره الإلهي الساطع يتجلّى فيها ليضيء العالم والأجيال إلى يوم
القيامة ، فالزهراء يعني رسول اللّه‏ وقرآنه وعترته الأطهار عليهم‏السلام .
وقد ورد في تأويل وتفسير سورة القدر أنّ الليلة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ،
فصدرها الشريف وقلبها الطاهر وعاء لنزول القرآن فيه ، فأنزل اللّه‏ القرآن ناطقا
بفضائلها ، كما أنزله ليكون ظرفه فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فحبيبة المصطفى ومهجة
المحاضرة الرابعة ••• (75)
--------------------------------------------------------------------------------
قلبه إنّما هي ظرف لأبيها وبعلها وبنيها عليهم‏السلام ، إنّما هي وعاء للقرآن الكريم في
تأويله وتنزيله وظاهره وباطنه وعلومه ومعارفه ، فهي ليلة القدر قد جُهل قدرها
وفضلها ومقاماتها(1) .
إنّ الحسن كلّه والجمال الإلهي إنّما يتشخّص فيها ، بل هي أعظم ، وفي بيان
عظمتها وجوه :
منها : أ نّها أشرف عنصرا ، فإنّ البشر من آدم ومن دونه إنّما خلقوا من
تراب ، إلاّ فاطمة فإنّها حوراء إنسيّة ، وإنّما كانت حوراء كحور الجنّة إذ انعقد
نطفتها من فاكهة الجنّة ـ كما ورد في كثير من الأحاديث الشريفة ـ فهي أفضل
عنصرا ، فإنّ عنصرها من الجنّة ، وكان النبيّ يقبّل صدرها الشريف ويقول : إنّه أشمّ
منه رائحة الجنّة .
فوجودها مشكاة الأنوار الإلهيّة ، وإنّها عصمة اللّه‏ الكبرى ووعاء لمقدّرات
اللّه‏ ومشيّته وقرآنه الناطق ، وهذا من شموليّتها وسعتها الوجودي . وهو المقصود
من اللطيفة الاُولى في مفهوم المشكاة .

اللطيفة الثانية :
ثمّ من خصائص المشكاة أ نّها تحفظ المصباح من خطر الأرياح والخمود
والإطفاء ، وكأ نّما أراد اللّه‏ سبحانه أن يقول : إنّ النبيّ الأعظم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وإن كان
في خطر المشركين والكفّار والمنافقين ، وكذلك الخلافة والإمامة الحقّة من بعده ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ذكرت تفصيل ذلك في رسالة ( فاطمة الزهراء ليلة القدر ) مطبوع في موسوعة ( رسالات
إسلاميّة ) المجلّد السابع .
(76) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فيريدون أن يطفئوا نور اللّه‏ بأفواههم ، إذ النور تارةً يخمد بالحروب الضارية
والأسلحة الفتّاكة واُخرى بالكلام ، فيريدون أن يطفئوا نور اللّه‏ بأفواههم ، إلاّ أنّ اللّه‏
سبحانه متمّ نوره ولو كره المشركون والمنافقون ، فإنّه يحفظ هذا النور النبوي
والولوي ـ المنسوب إلى أولياء اللّه‏ وهم الأئمة الاثنا عشر عليهم‏السلام ـ في مشكاة
وكوّة ، فاللّه‏ متمّ نوره ـ وهو عليّ عليه‏السلام وأبناءه وولايتهم والنبيّ ورسالته ـ بفاطمة
الزهراء عليهاالسلام ، فهي مشكاة الأنوار القدسيّة ، ولولاها لأطفأ أعداء اللّه‏ أنوار الرسالة
والإمامة .
ثمّ في الحديث الشريف في وصف النبيّ وعترته الأطهار وشيعتهم الأبرار
بالشجرة وأغصانها وأوراقها .
عن الإمام الباقر عليه‏السلام :
الشجرة الطيّبة : رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وفرعها عليّ عليه‏السلام ، وغصن الشجرة
فاطمة عليهاالسلام ، وثمرها أولادها ، وأوراقها شيعتنا(1) .
فعنصر هذه الشجرة المباركة الثابت أصلها هي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فهي
الماء الحيّ ، ولولاها لما اخضرّت الشجرة وأينعت وأثمرت ، فحياتها وثمراتها
بعنصرها ، فلولا فاطمة ليبست شجرة النبوّة ودوحة الإمامة ، ولما اخضرّت
ولا أينعت ولا أثمرت . وهذا من سرّ الوجود(2) .
فقام الإسلام ببركة الزهراء في وجودها الملائكي ، وفي سيرتها المعصومة ،
وبخطاباتها وجهادها وجهودها .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مجمع البحرين 2 : 931 .


(2) ذكرت تفصيل ذلك في كتاب ( فاطمة الزهراء سرّ الوجود ) مطبوع .
المحاضرة الرابعة ••• (77)
--------------------------------------------------------------------------------
ثمّ القرآن الكريم فيه آيات محكمات واُخر متشابهات ، وإنّما تعرف وتبيّن
المتشابهات بالرجوع إلى المحكمات فهي البراهين الساطعة والأدلّة القاطعة التي
لا نقاش في الاستدلال بها .

الاستدلال بسورة القدر على الإمامة :
ومن المحكمات سورة القدر ، فإنّها من أوضح الأدلّة وأفحم الحجج مع
الخصوم الذين أنكروا الإمامة الحقّة المتمثّلة بأهل البيت والعترة الطاهرة عليهم‏السلام ،
كما أوصى الأئمة عليهم‏السلام أن يحتجّوا بها مع الخصم ، بأن يسألونهم أوّلاً : هل ليلة
القدر ليلة واحدة في طول عمر الدنيا أو أ نّها في كلّ سنة ؟ بلا ريب سيقول في كلّ
سنة ، فتسألوهم ثانيةً : هل نسخت هذه السورة ؟ سيقولون بلا شكّ إنّها لم تنسخ ،
فتسألون ثالثة : على من تتنزّل الملائكة والروح في كلّ سنة وفي ليلة القدر
وبيدهم المقدّسات ؟
فلا يتمّ الجواب إلاّ على مذهب الحقّ القائل بالإمامة والأئمة الاثنى عشر
عليهم‏السلام ، وآخرهم قائمهم الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكري عليه‏السلام ، وأ نّه
حيّ يرزق ، بوجوده ثبت الأرض والسماء ، وبيمنه رزق الورى .
وبهذا يتثبّت الإمامة والعصمة في كلّ زمان .
وسيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء هي المشكاة ، وهي ليلة القدر والآية
المحكمة الدالّة على النبوّة والإمامة ، والحافظة لنورهما إلى يوم القيامة .


ومضة من الاستدلال على خلافة أمير المؤمنين عليه‏السلام :
ومن الأدلّة الفاطميّة التي نحتجّ بها على خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام
(78) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
بلا فصل لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أ نّه ورد في الحديث النبوي المتواتر عند الفريقين السنّة
والشيعة .
قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة ، ميتة
كفر ونفاق ، فحينئذٍ نسأل خصومنا في الخلافة بلا فصل أنّ الزهراء بنت رسول اللّه‏
ارتحلت إلى جوار ربّها بعد أبيها ، فهل عرفت إمام زمانها ؟
لا يخلو إمّا أن يقول الخصم : لم تعرف إمام زمانها ، وهذا من أقبح الأقوال
في شأن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، لم يتفوّه به مسلم ومسلمة قطّ على طول التاريخ
ومدى الزمان .
وإمّا أن يقول : كانت عارفة بإمام زمانها ، وحينئذٍ لم يكن إمام زمانها
أبو بكر إذ ماتت وهي واجدة وغاضبة عليه ـ كما في صحيح البخاري ـ كما أ نّها
أعرضت بوجهها الشريف حين زيارته إيّاها ، وكانت تدعو عليه ، وإنّها لم ترضَ
عنه ، فهذا يعني أ نّها غاضبة على إمام زمانها وهذا يقدح بطهارتها وعصمتها
الثابت بآية التطهير . فلا مفرّ إلاّ القول أ نّها كانت عارفة بإمام زمانها وهو بعلها
أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام ، ولهذا دافعت عنه وجاهدت في سبيله ، وكانت تخرج
بولديها الحسن والحسين إلى دور الأنصار والمهاجرين تستنصرهم في النهوض
ضدّ الطغاة والغاصبين خلافة أبيها لبعلها .
إنّها قاومت الظلم وقارعت الطغاة بخطاباتها الثوريّة وكلماتها الحماسيّة في
مسجد أبيها أمام المسلمين الذين انقلبوا على أعقابهم .
أجل ، حينما جمع عمر بن الخطّاب وجلاوزته الحطب ليشعل النار في دار
الزهراء عليهاالسلام ، وقالوا له : إنّ فيها فاطمة ؟ قال : وإن ، فهي التي خرجت خلف
الباب حفاظا على أمير المؤمنين إذ هو زجاج المصباح النبوي الذي يعكس نور
المحاضرة الرابعة ••• (79)
--------------------------------------------------------------------------------
النبوّة من بعد النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فلاذت خلف الباب وكسر ضلعها واُسقط جنينها ،


وخرجت إلى المسجد لتحامي عن الإمامة والولاية ، إذ أ نّها المشكاة الحافظة ،
تحفظ النبوّة والوصاية سويّةً من أخطار الكفر والشرك والنفاق .


من أوصاف الزهراء عليهاالسلام :
ورسول اللّه‏ شمس الاُمّة وعليّ عليه‏السلام قمرها ، وقال رسول اللّه‏ : إذا غاب
القمر فاقتدوا بالزهرة ، فسأل الأصحاب : ومن الزهرة ؟ فقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : ابنتي فاطمة
الزهراء ...
فإنّها قدوة الأحرار والثوّار المؤمنين جيلاً بعد جيل ، إذ أ نّها المشكاة ...
ثمّ عليّ ميزان الأعمال ، وقد قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله للحسن والحسين عليهماالسلام :
وأنتما كفّتا الميزان واُمّكما فاطمة لسان الميزان ، فالإمامة ميزان الحقّ ، إلاّ أنّ
معرفة الميزان وقسطه يعلم بلسانه . فهو الذي ينطق بالحقّ ويدافع عن الميزان ،
ولسان الميزان فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
وإنّها اُمّ أبيها ، ومن معاني الاُمّ أ نّها تحفظ بنيها من الضياع ، وفاطمة الزهراء
تحفظ رسالة أبيها ولو بثمن شهادة جنينها وضرب وجهها واحمرار عينها وكسر
ضلعها وبكائها في الليل والنهار ...
أجل لم يعرفوا قدرها ومقامها العظيم كما لم يدركوا ليلة القدر ، ولا زالوا في
ظلال بعيد .
اللهمّ عرّفنا نفسك ورسولك وحججك ، وحجّة الحجج قدوة الأولياء ،
فاطمة الزهراء عليهاالسلام .


(80) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة(1)
ما لي ولنقد وجرح بعض هواة الأحزاب ( هداهم اللّه‏ سبحانه ) في
ما كتبته(2) من قبل ، وألقيته في محاضرات إسلامية في المحافل العامّة حول
الشهادة الرابعة ، ورجحانها في الأذان والإقامة عقلاً لا بقصد الجزئيّة ، فقالوا : إنّها
بدعة جديدة كالشهادة الثالثة ، التي مرّت عليها أكثر من ألف سنة ، والتي لا يزال
صداها يدوّي في العالم رغم اُنوف الخصماء والأعداء والمنكرين .
أجل ، مقصودي من هذه المقالة المختصرة والكلمة المستعجلة ، إنّما هو
توضيح الأمر لإخواني المؤمنين ـ أعزّهم اللّه‏ في الدارين ـ من أتباع مذهب أهل
البيت عليهم‏السلام أوّلاً ، ثمّ تبصرة لمن أراد أن يعرف الحقيقة ، كي لا يلتبس عليه الحقّ
بالباطل ، من خلال الشائعات الحزبيّة ، أو جهل المغرضين ، أو خصومة المعاندين ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) طبع في صحيفة صوت الكاظمين سنة 1423 ه ق .
(2) راجع الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة ، في المجلّد السادس من ( رسالات إسلاميّة ) ،
مطبوع .
(81)
--------------------------------------------------------------------------------
أو إنكار الشياطين ، أو أيّ سبب آخر ، واللّه‏ العاصم والمعين .
فأقول مقدّمةً : ذكر المحقّق الكبير سيّدنا اليزدي قدس‏سره في كتابه القيّم ( العروة
الوثقى ) أ نّه : لا إشكال في تأكّد رجحان الأذان والإقامة في الفرائض اليوميّة ،
أداءً وقضاء ، جماعةً وفرادى ، حضرا وسفرا ، للرجال والنساء ، وذهب بعض
العلماء إلى وجوبهما ... والأقوى استحباب الأذان مطلقا والأحوط عدم ترك
الإقامة للرجال في غير موارد السقوط .
قال صاحب المدارك قدس‏سره : أجمع العلماء كافّة على مشروعيّة الأذان
والإقامة للصلوات الخمس .
وفي الحدائق الناضرة قال المحقّق البحراني قدس‏سره : لا ريب ولا إشكال في
رجحان الأذان والإقامة في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء لجملة
المصلّين ذكورا وإناثا ، فرادى وجماعة .
وفي المستند : « لا ريب في مشروعيّتهما ومطلوبيّتهما لكلّ من الفرائض
الخمس اليوميّة ومنها الجمعة ، إلاّ فيما يأتي الكلام فيه للرجال والنساء فرادى
وجماعة أداء وقضاء حضرا وسفرا ، بل هي إجماع من المسلمين بل ضروري
الدين » .
فمشروعيّة الأذان والإقامة ممّا عليه إجماع أهل القبلة ، كما يدلّ عليه
النصوص الكثيرة ، ثمّ المحكي عن المشهور ، بل الأشهر استحباب الأذان والإقامة
مطلقا ، إلاّ أ نّه عن كتاب الجمل وشرحه ، والمقنعة ، والنهاية ، والمبسوط ،
والوسيلة ، والمهذّب ، وكتاب أحكام النساء للمفيد : إنّهما واجبان على الرجال في
الجماعة . وعن القاضي نسبته إلى الأكثر ، وعن الغنية والكافي والإصباح : إطلاق
(82) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وجوبهما في الجماعة من دون تقييد بكونه على الرجال . وعن ابن أبي عقيل
وابن الجنيد القديمين : وجوب الإقامة في الصلوات مطلقا ، وخصّ الوجوب
بعضهم بصلاة المغرب والصبح ، وبعضهم بصلاة الجماعة وجعلهما شرطا في
صحّتها ، وبعضهم جعلهما شرطا في حصول ثواب الجماعة ، والأقوى عندي
استحباب الأذان والإقامة مطلقا ، استحبابا مؤكّدا ، كما عليه النصوص الكثيرة .
ثمّ الأذان قسمان : أذان الإعلام والإعلان في أوّل الوقت ، وأذان الصلاة
متّصل بها ، وإن كان في آخر الوقت ، ويشترط في أذان الصلاة كالإقامة قصد
القربة فإنّهما من الاُمور العباديّة ، بخلاف أذان الإعلام ، فإنّه لا يعتبر فيه ، لحصول
الغرض بفعله مطلقا .
وفصول الأذان ثمانية عشر : ( اللّه‏ أكبر ) أربع مرّات ، ثمّ الشهادة الاُولى
( أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ) ، والشهادة الثانية ( أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ) و ( حيّ
على الصلاة ) و ( حيّ على الفلاح ) و ( حيّ على خير العمل ) و ( اللّه‏ أكبر ) و ( لا إله
إلاّ اللّه‏ ) كلّ واحد مرّتان ، وفصول الإقامة سبعة عشر : ( اللّه‏ أكبر ) في أوّلها مرّتان ،
ويزيد بعد ( حيّ على خير العمل ) ( قد قامت الصلاة ) مرّتين ، وينقص من ( لا إله
إلاّ اللّه‏ ) في آخرها مرّة . ويستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه ،
وأمّا الشهادة الثالثة ( أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ ) أي الشهادة بالولاية وإمرة المؤمنين
لعليّ عليه‏السلام ، فليست جزءا منهما(1) .
قال سيّدنا الحكيم قدس‏سره في مستمسكه بعد بيان فصول الأذان والإقامة :
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المستمسك 5 : 544 .
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة ••• (83)
--------------------------------------------------------------------------------
بلا خلاف ولا إشكال ، قال في محكيّ الفقيه بعد ذكر حديث الحضرمي والأسدي :
ذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ...
وقال الشيخ الطوسي عليه الرحمة في المبسوط : وأمّا قول : ( أشهد أنّ عليّا
أمير المؤمنين وآل محمّد خير البريّة ) على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس
معمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به غير أ نّه ليس من فضيلة
الأذان ، ولا كمال فصوله .
ثمّ قال السيّد الحكيم عليه الرحمة : والظاهر من المبسوط إرادة نفي
المشروعيّة بالخصوص ، ولعلّه أيضا مراد غيره . لكن هذا المقدار لا يمنع من
جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميّتها في نفسها ، ومجرّد الشهادة بكذب
الراوي لا يمنع من احتمال صدق الموجب لاحتمال المطلوبيّة ، كما أ نّه لا بأس
بالإتيان به ـ أي قول الشهادة الثالثة ـ بقصد الاستحباب المطلق ، لما في خبر
الاحتجاج : ( إذا قال ) أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، فليقل : عليّ أمير
المؤمنين ، بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ، ورمز إلى التشيّع ،
فيكون من هذه الجهة راجحا شرعا ، بل قد يكون واجبا ، لكن لا بعنوان الجزئيّة
من الأذان . ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار ، من أ نّه لا يبعد كون الشهادة
بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم
بورود الأخبار بها ، وأيّد ذلك بخبر القاسم بن معاوية المروي عن احتجاج
الطبرسي عن الصادق عليه‏السلام ، وما في الجواهر من أ نّه كما ترى . غير ظاهر(1) . انتهى
كلامه رفع اللّه‏ مقامه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المستمسك 5 : 545 .
(84) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
ولزيادة البصيرة والمعرفة أذكر ما جاء في كتاب ( القطرة ) لآية اللّه‏ السيّد
أحمد المستنبط قدس‏سره (1) : ثمّ إنّي أختم هذا الباب ( الباب الثامن ) بذكر تشهّد الصلاة
والإقامة مع ما ورد في خبر القاسم بن معاوية المروي عن احتجاج الطبرسي عن
أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : ( إذا قال أحدكم لا إله إلاّ اللّه‏ محمّد رسول اللّه‏ فليقل عليّ أمير
المؤمنين وليّ اللّه‏ ) غافلاً عن كونها جزءا من الصلاة استحبابا على ما روي عن
الصادق عليه‏السلام ، وإنّما اُورد الرواية لندرة وجودها وشرافة مضمونها ، وكثرة فوائدها
في زماننا هذا لمن تدبّر فيها ، حتّى أنّ العلاّمة النوري قدس‏سره غفل عنها فلم ينقلها في
المستدرك ، والرواية مذكروة في رسالة معروفة بفقه المجلسي قدس‏سره مطبوعة في
صفحة ( 29 ) ما هذا لفظه : ويستحبّ أن يزاد في التشهّد ما نقله أبو بصير عن
الصادق عليه‏السلام وهو : ( بسم اللّه‏ وباللّه‏ والحمد للّه‏ وخير الأسماء كلّها للّه‏ أشهد أن لا إله
إلاّ اللّه‏ وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيرا
ونذيرا بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ ربّي نعم الربّ وأنّ محمّدا نعم الرسول ، وأنّ
عليّا نعم الوصيّ ونعم الإمام اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته في
اُمّته وارفع درجته ، الحمد للّه‏ ربّ العالمين ) .
وأيضا : لقد سأل بعض العلماء من أبناء العامّة سماحة العلاّمة الكبير المحقّق
الميرزا أبو الحسن الشعراني قدس‏سره عن الشهادة الثالثة في الأذان فأجاب سماحته
قائلاً :
بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم : الإقرار بولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
--------------------------------------------------------------------------------
(1) القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة 1 : 368 .
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة ••• (85)
--------------------------------------------------------------------------------
عليه‏السلام والشهادة بها جزء الإيمان وجائز في الأذان ، ولا خلاف في ذلك بين
المسلمين على اختلاف فرقهم . والدليل على أ نّه جزء من الإيمان أحاديث كثيرة ،
منها : ما رواه الترمذي وكتابه أحد الصحاح الستّة عن اُمّ سلمة : كان رسول اللّه‏
صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول : « لا يحبّ عليّا منافق ، ولا يبغضه مؤمن » ـ ولا يخفى أنّ كان تدلّ على
الاستمراريلاة ـ فمن أبغضه ليس بمؤمن ، ومن أحبّه مؤمن ، وهذا معنى كون
ولايته جزء من الإيمان ، وكان أحبّ الخلق إلى اللّه‏ بعد رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لحديث
الطير المعروف بين المسلمين ، وأمّا كونه جائزا بين الأذان فلأ نّه كلمة حقّ وقول
مشروع ، واتّفق الفقهاء الأربعة ـ المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي ـ على
جواز التكلّم بكلام غير كثير لا يخلّ بالموالاة بين فصول الأذان إلاّ أنّ أحمد بن
حنبل لم يجوّز التكلّم بكلام غير مشروع كالكذب والغيبة ، وأبطل الأذان به . ولم
يبطل به الأذان سائر الفقهاء ، وكتبهم موجودة وأقوالهم مشهورة وهذا مصرّح به
في الصفحة 228 من الجزء الأوّل من كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ) .
أمّا من تركه فإن كان عن عنادٍ وبغض فهو خارج عن الإيمان ، ومن تركه
لأ نّه ليس جزء من أجزاء الأذان فلا بأس لأنّ الشهادة بالولاية بقصد أ نّها جزء من
الأذان ، وهذا واضح معروف منهم ، وإنّما جعله الغلاة والمفوّضة جزءا ونحن منهم
براء ، وإنّما يؤتى بها في بلاد الشيعة تبرّكا وحرصا على إظهار محبّتهم لعليّ عليه‏السلام
مع علمهم بأ نّها ليست جزءا من الأذان كما يصلّون على النبيّ بعد ذكر اسمه في
الأذان وغيره امتثالاً للأمر به في الكتاب الكريم ، ولا يخالف عملهم هذا فتوى
أحد من الفقهاء الأربعة ...
وذهب سماحة العلاّمة آية اللّه‏ الشيخ حسن زادة الآملي في كتابه ( فصّ
(86) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
حكمة عصمتيّه في كلمة فاطميّة )(1) : بعد إثبات عصمة الزهراء سيّدة النساء عليهاالسلام
بالأدلّة العقليّة والنقليّة إلى جواز الشهادة الرابعة قائلاً : وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة
وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ اللّه‏ وكلمة اللّه‏ التامّة فاطمة عليهاالسلام
ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً :
( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول اللّه‏ عصمة اللّه‏ الكبرى ) أو نحوها .
زبدة المخاض :
إنّ الأذان والإقامة في الشريعة الإسلاميّة بمنزلة المحطّة الإذاعيّة والأبواق
العالميّة لإعلان العقائد ، فإنّ الأذان شعار المسلم في العالم ليعلن عن مبادئه ودينه
وشريعته السمحاء ، فإنّه بعد التكبيرات ، يشهد بالتوحيد والوحدانيّة للّه‏ ( أشهد أن
لا إله إلاّ اللّه‏ ) ليعلن هاتفا صارخا بنداء الموحّدين ، فيرنّ صداه الملوكتي في
الآفاق ، فإنّه لا يشرك باللّه‏ سبحانه في عبادته ، ولا يكون من المغضوب عليهم
كاليهود والقائلين بأنّ عزير بن اللّه‏ ، ولا لمقولة الضالّين من النصارى القائلين
بالأقانيم الثلاثة ، ولا من المضلّين من المجوس القائلين بالثنويّة وإله النور وإله
الظلمة ، ولا غيرهم من الملحدين والمشركين والشيوعيّين .
ثمّ يشهد برسالة خاتم النبيّين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، ليعلن أ نّه من المسلمين إلاّ أ نّهم
افترقوا بعد رسول اللّه‏ إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فأضافت الإماميّة الشهادة الثالثة
بولاية أمير المؤمنين علي عليه‏السلام وأولاده المعصومين الأئمة الطاهرين عليهم‏السلام ، ليعلن
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الصفحة 152 .
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة ••• (87)
--------------------------------------------------------------------------------
المؤمن للعالم بإيمانه الراسخ وحمله الولاية والمودّة لذوي القربى ، العترة الهادية ،
عدل القرآن الكريم وشريكه .
وفي عصرنا هذا من الواضح أنّ الشيعة ـ باعتبار الفرق الإسلاميّة ـ طوائف
ومذاهب :
فمنهم : الزيديّة ، القائلون بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين بعد أبيه .
ومنهم : الاسماعيليّة ، القائلون بإمامة إسماعيل بن الإمام الصادق عليه‏السلام .
ومنهم : الواقفيّة .
ومنهم : الغلاة ، وهم أكثر من ثلاثمائة فرقة .
وغيرهم ، فكلّ هؤلاء يقولون بأنّ الخلافة بلا فصل لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إنّما هي
لأمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام كما تقول بذلك الإماميّة الاثني عشريّة أيضا ، فلا بدّ لمن
كان مؤمنا بهم أن يمتاز عن غيرهم من فرق الشيعة ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بشعار
خاصّ ، يعلنه في أذانه وإقامته للصلاة في كلّ يوم وفي أوقاتها الخاصّة ، وليس
ذلك الشعار الذي يمتاز به الشيعي الإمامي الاثنا عشري عن غيره إلاّ الإقرار
والشهادة بعصمة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، لأنّ الأئمة الأبرار عليهم‏السلام حجج
اللّه‏ على الخلق ، وإنّ فاطمة الزهراء المعصومة حجّة اللّه‏ على الحجج ـ كما في
الخبر العسكري ـ فلا بدّ من ذكر فاطمة عليهاالسلام كثيرا ، ولا سيّما ونحن نعيش عصر
قرب الظهور إن شاء اللّه‏ تعالى ، وإنّ الإمام المهدي عليه‏السلام من آل محمّد عليهم‏السلام إنّما
هو من ولد فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فعصرنا هذا عصر الزهراء عليهاالسلام ، ومثل الشهادة
الرابعة حينئذٍ تكون من مقدّمات الظهور إن شاء اللّه‏ تعالى ، وتوطئة لدولة الإمام
المهدي عليه‏السلام ، فمن الراجع عقلاً أن نقولها في الأذان والإقامة ، إلاّ أ نّه لا بقصد
(88) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الجزئيّة ، بل أمرها كأمر الشهادة الثالثة حذو القُذّة بالقُذّة ، كما أنّ أمير المؤمنين
كان كفوا لفاطمة الزهراء عليهاالسلام فإنّهما ككفّتي الميزان ، فما أروع الأذان الذي يذكر
فيه الصنوان والمتكافئان معا عليهماالسلام ، ثمّ يجوز أن تلحق الشهادة الرابعة بالثالثة ،
فيقول في ثانيتها أو الاُولى ( أشهد أنّ عليّا وأولاده المعصومين حجج اللّه‏ وأنّ
فاطمة الزهراء عصمة اللّه‏ ) وبهذه الزيادة يتذكّر المؤذّن والمقيم أنّ الشهادة الثالثة
كانت زائدة في الأذان والإقامة ، فلا يقصد بها الجزئيّة حينئذٍ ، وهذا بنظري
ما يوافق الاحتياط أيضا ، فتدبّر .
ومن المؤمنين من يقول : الشهادة الرابعة براءةً من الضالّين المضلّين ، فإنّ
البعض ممّن قصّر في معرفة المعصومين عليهم‏السلام شكّك في عصمة الزهراء ، مدّعيا
أ نّها امرأة عاديّة ، وأنكر ظلاماتها وما جرى عليها بعد رحلة أبيها المصطفى صلى‏الله‏عليه‏و‏آله من الظلم والجور .
فمن يقول بخلافة الأئمة الاثنى عشر وأ نّه كلّهم من قريش كما نصّ عليهم
نبيّ الإسلام بنصب من اللّه‏ العلاّم وعصمهم بعصمة ذاتيّة وكلّية ، وكذلك اُمّهم حليلة
أمير المؤمنين عليه‏السلام فاطمة الزهراء ، فإنّ اللّه‏ قد عصمها بعصمة ذاتيّة وكلّية ، فجمعت
بين العصمتين : عصمة النبوّة ، وعصمة الإمامة ، فكانت بنت النبيّ المصطفى
وزوجة الوصيّ المرتضى واُمّ الأئمة النجباء عليهم‏السلام ، فعصمتها هي الجامع والدالّ
على الإقرار بإمامتهم وعددهم الاثنى عشري ، وبهذا يكون شعارا ولائيّا يرشدنا
إلى الولاية العظمى ، والإمامة الثابتة الكبرى .
وأخيرا : فقد استفتي مكتب سماحة آية اللّه‏ العارف المحقّق الشيخ بهجت
دام ظلّه عن قول الشهادة الرابعة في الأذان والإقامة ، فأجاب بعدم البأس فيه .
والحمد للّه‏ أوّلاً وآخرا .
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة ••• (89)

(90) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فاطمة الزهراء عليهاالسلام
اُسوة وقدوة
من القضايا التي تبحث في ( علم النفس ) المعاصر ، كما أ نّها ذات أهمية
بالغة في الثقافة الإسلامية وقاموس الإسلام ، مسألة ( القدوة والاُسوة ) ، فإنّ
الإنسان منذ نعومة أظفاره من فطرته وغريزته أ نّه يبحث عن اُسوة يقتدي به في
أقواله وأفعاله ، أي من طبيعته الأوّلية ومن ذاتياته الفطريّة أ نّه يتشبّه بشخص آخر
بعد ميله القلبي نحوه ، فإنّه إذا أحبّه وتعلّق به ينطبع بطابعه ، وتظهر على سلوكه
وحركاته وسكناته آثار وأفعال حبيبه الذي أخذه قدوة واُسوة في حياته .
فالطفل في أيام صباه ، ثمّ في سنّ المراهقة وطليعة الشباب يقتدي بمن يراه
قدوة ، فيتأثّر بطباعه وأخلاقه وسلوكه ، فمن ضروريّات الحياة ( الاُسوة ) فيها ، إلاّ
أ نّه مَن المقتدى ؟ ومَن المتأسّى به ؟ فمن هو القائد ؟
ذهب علماء النفس كما هو الواقع أنّ الإنسان ـ أعمّ من الذكور والاناث ـ
يقتدي أوّلاً باُمّه ، فإنّ الاُمّ لها دور فعّال في حياة الشخص من جهة الاقتداء
والتأسّي . ثمّ يقتدي بأبيه أو إخوته وأخواته ، أي من يعيش معهم في نطاق الاُسرة
والعائلة . ثمّ يأتي دور الأصدقاء ، حتّى يعرف المرء بخليله ، وقل من تصاحب
حتّى أقول من أنت ؟ فإذا كانت علقة الصداقة والمحبّة بين اثنين ، فإنّ الصديق
(91)
--------------------------------------------------------------------------------
يسلك مسلك صديقه ، ويقتدي به . ثمّ المصداق الثالث للتأسّي والاقتداء هو المعلّم
والمربّي ، حتّى في بعض الموارد يتأثّر الطالب باُستاذه ، فيعرف من خلال حركاته
أ نّه من تلامذة الاُستاذ الفلاني ، وهذا ما يحدث في الحوزات العلمية كثيرا ، وكذلك
في الجامعات الأكاديميّة ، ثمّ المصداق الآخر لاقتداء الشباب يتمثّل بطبقة
الرياضيين كلاعب كرة القدم ، وما يعبّر عنه بالفنّانين من النجوم السينمائية ، وهذا
ما يحدث عند البنات غالبا ، ثمّ السياسيين لمن كان يميل إلى السياسة .
هذه مجموعة من يقتدى بهم في حياتنا المعاصرة في كلّ العالم وبصورة
عامّة وطبيعية ، ويودّ الإنسان أن يكون قائده واُسوته يمتاز بخصائص تفرزه عن
الآخرين ، وتعطي طابع الحقّانية في كونه اُسوة له ، فيحبّ أن يكون اُسوته أكمل
من غيره ، كما يكون أعلم، فإذا كانت الاُمّ تحمل شهادة الماجستير فإنّ الولد الذي
يقتدي بها يودّ أن يحمل شهادة الدكتوراه ، كما يودّ أن يكون اُسوته باختياره ،
فمتى ما أراده يكون عنده حاضرا ليستشيره ويقتدي به في سيرته ، ويودّ أن يكون
جامعا للكمال والجمال ، ومثل هذه الصفات لا تجتمع في مَن ذكر من مصاديق
القدوة إلاّ في المعصومين من الأنبياء والأوصياء عليهم‏السلام ، فهم أكمل الناس وأعلمهم
وأجمعهم في صفات الجمال والكمال ، فلا يضاهيهم أحد من الناس في عصرهم ،
فهم الحجّة على الخلق ، وقد أمرنا اللّه‏ أن نأخذهم اُسوة وقدوة :
« اُولئك الذين هدى اللّه‏ فبهداهم اقتده »(1) .
« لقد كان لكم فيهم اُسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه‏ »(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأنعام : 90 .
(2) الممتحنة : 6 .
(92) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
ونحن المسلمين اُسوتنا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كما أمرنا اللّه‏ بذلك :
« لقد كان لكم في رسول اللّه‏ اُسوة حسنة »(1) .
ثمّ من بعد الرسول الأعظم اُسوتنا وقدوتنا من خلّفهما الرسول الأكرم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ،
أعني الثقلين : كتاب اللّه‏ وعترة النبيّ المختار عليهم‏السلام ، كما ورد في حديث الثقلين
المتواتر عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ فإنّ رسول الرحمة والإسلام لم يترك
الناس سدى من بعده ، بل خلّف فيهم الثقلين كتاب اللّه‏ وعترته ، ما إن تمسّكنا بهم
لن نضلّ أبدا ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا الحوض .
ثمّ نعتقد بحياة القرآن الكريم :
« يا أ يّها الذين آمنوا استجيبوا للّه‏ وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم »(2) .
كما نعتقد بحياة الأئمة الأطهار واُمّهم فاطمة الزهراء عليهم‏السلام ، فإنّهم أحياء
عند ربّهم يرزقون ، شهداء على الخلق وعلى هذه الاُمّة ، يرون أعمالهم .
ثمّ كما أنّ الرسول والأمير عليهماالسلام أبوا هذه الاُم
يتيم فاطمة
يتيم فاطمة
Admin

عدد المساهمات : 161
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
العمر : 44
الموقع : منتدى دمعة فاطمة - منتديات حب فاطمة

https://fatima.3oloum.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

M4 تكملة

مُساهمة  يتيم فاطمة الإثنين ديسمبر 06, 2010 9:43 pm

ويقبله « إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّه‏ُ مِنَ المُتَّقِينَ »(1) ، « إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّـيِّبُ وَالعَمَلُ
الصَّالِـحُ يَرْفَعُهُ »(2) ، وقليل من عباد اللّه‏ من كان مخلصا وشكورا ، فإنّ الناس
كلّهم هلكى إلاّ العلماء ، والعلماء كلّهم هلكى إلاّ العاملون ، والعاملون كلّهم هلكى
إلاّ المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم ، فإنّ الرياء في العمل كدبيب نملة
سوداء على صخرةٍ صمّاء في ليلةٍ ظلماء ، فمن يحسّ بدبيبها ، وكذلك العجب فإنّه
يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل ، والعجب قطع النعمة عن المنعم ونسبة ذلك إلى
نفسه ، فمن يعجب بعمله وعبادته لا يرى أنّ ذلك من فضل اللّه‏ عليه ، بل يغترّ بنفسه
ويتطاول على الآخرين ، فيبتلى بالكبر والغرور والعجب والرياء حتّى تذهب
أعماله سدى أدراج الرياح ، فالدعاء والعبادة في معرض الأخطار .
إلاّ أنّ الابتلاء والبلاء يخلو من العجب والرياء ، بل ربما يتناسب مع عيوبنا
ومع ظرفيّتنا ، وربما يوجب رشد الإنسان أو رشد المجتمع ، كابتلاء يوسف عليه‏السلام
وأولياء اللّه‏ من الأنبياء والأوصياء والعلماء والصالحين المؤمنين .
ولا يخفى أنّ أعظم البلايا التي أبكت السماء والأرض وحيّرت الملائكة
وذوي الألباب هو ما جرى على رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فإنّه قال : « ما اُوذي نبيّ بمثل
ما اُوذيت » ، وكذلك ما جرى على أهل بيته الأطهار ، وصيّه المرتضى ، وابنته
فاطمة الزهراء ، وسبطيه وريحانتيه الحسن والحسين عليهماالسلام ، وما جرى على الأئمّة
الأطهار من القتل والتعذيب والنفي والسجن والاضطهاد والحرمان وغصب
خلافتهم وإنكار فضائلهم وحقوقهم ، كما يشهد التاريخ بذلك .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المائدة : 27 .
(2) فاطر : 10 .
(108) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فما أعظم مصيبة سيّد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، فقد
أبكت ملكوت السماوات « لقد عظمت الرزيّة علينا وعلى جميع أهل الأرض
وعلى جميع أهل السماوات » ، ثمّ من كان في خطّ سيّد الشهداء ويقتدي
بمنهجه وثورته ، ويتأسّى بجهاده وشهادته ، وبما جرى على أهل بيته من القتل
والأسر ، فإنّه يتمنّى أن يكون معهم « يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما » ويطلب
من ربّه أن يعطيه أفضل ما يعطي مصابا بمصيبته ، عندما يتفاعل مع مصيبة
سيّد الشهداء عليه‏السلام ومع ابتلائاته ، إلاّ أنّ شرط العطاء الربّاني هذا إنّما يتمّ لو ابتلينا
ببلائهم ، فإنّه يوجب القرب للّه‏ سبحانه كما يوجب الرشد والكمال ، فإنّ باطن هذا
البلاء هو الضيافة عند اللّه‏ ، كما يتجلّى هذا المعنى في سجدة ( زيارة عاشوراء )
فإنّها سجدة القرب والشكر على المصيبة ، أي يعدّ ذلك من النعمة عليه ، والمنعَم
عليه في ضيافة المنعِم .
ثمّ ما جرى على أولاد رسول اللّه‏ إنّما يجري على اُمّهم فاطمة الزهراء ،
فابتلائهم ابتلائها ، وحزنهم حزنها ، ومصيبتهم مصيبتها ، فهي اُمّ المصائب الكبرى ،
وقد اختبرها اللّه‏ وامتحنها بتلك البلايا فوجدها صابرة محتسبة ، فجعلها الحلقة
الواصلة بين النبيّ والوصيّ وبين الخلق المؤمن في عالم التكوين ، ومن يلحق بهم
فإنّه يفوز بجنّة اللّه‏ « وَادْخُلِي جَـنَّـتِي »(1) جنّة الأسماء الحسنى ، ويفوز برضوان
اللّه‏ الأكبر .
ثمّ قد ثبت أنّ حقيقة العبوديّة والسعادة الدنيويّة والاُخرويّة إنّما يتلخّص
في التولّي والتبرّي ، أي الحبّ والبغض ، كما أنّ الولاية حقيقة التوحيد ، فإنّ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الفجر : 30 .
من وحي الزيارة الفاطميّة ••• (109)
--------------------------------------------------------------------------------
كلمة ( لا إله إلاّ اللّه‏ ) حصن اللّه‏ ، ومن دخل حصنه أمن من عذابه ، إلاّ أ نّه
بشرطها وشروطها ، وإنّ ولاية الأئمّة الأطهار خلفاء الرسول المختار
أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام وأولاده الأحد عشر من شروطها ، كما ورد ذلك عن
مولانا الإمام الرضا عليه‏السلام في حديث السلسلة الذهبيّة المعروفة .
وابتلائهم من أعظم العبادات ، وتحمّل الابتلاء منهم كان السبب لقرب العالم
التكويني إلى اللّه‏ سبحانه : « بنا عُبد اللّه‏ ، وبنا عُرف اللّه‏ » ومن أكبر عبادتنا التوجّه
إلى تلك الابتلاءات العظيمة ، والتفاعل معها فكرا وعقيدة وسلوكا وعملاً وجهادا .
فإنّ التوجّه إلى الابتلاءات من أهمّ العوامل التي توجب السير إلى اللّه‏ والفناء فيه .
ولازم هذا الاتجاه والتوجّه هو العلم والمعرفة ، فمن جهلهم كيف يتوجّه
إليهم وإلى مصائبهم ؟ وكيف يتفاعل معها ؟ فإنّ بين العلم والجهل تضادّ بيّن ،
كما بين العقل والجهل ذلك ، وإنّ للعقل جنودا ـ كما في حديث جنود العقل
والجهل في الكافي ـ وإنّها جنود الطاعة والعبادة ، فإنّ العقل ما عبد به الرحمن
واكتسب به الجنان ، كما أ نّها جنود رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أيضا . فإنّ العقل هو الرسول
الباطني وهو عضيد الرسول الظاهري ، فللّه سبحانه حجّتان : حجّة باطنيّة وهو
العقل ، وحجّة ظاهريّة وهو النبيّ ، والجهل هو الشيطان ، وله جنود ، وأعوانه
وأولياءه .
ثمّ المقصود من خلقة الإنسان تكامله ، وأن يكون مظهرا لأسماء اللّه‏
وصفاته العليا ، إلاّ أ نّه هداه اللّه‏ النجدين ، فإمّا أن يكون من العلّيّين المقرّبين
فيتولّى اللّه‏ أمره « اللّه‏ُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا »(1) أو يكون من السافلين المبعدين ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البقرة : 257 .
(110) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فيتولاّه إبليس وجنوده « وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيَائِهِمْ »(1) .
فالإنسان مخيّر بين أن يكون من جنود العقل أو من جنود الجهل ،
والشيطان يتولّى من يدخل في ميادين الجهل وساحاته ، فيسرق قلبه ، ويدخل
فيه ، ويفرّخ ويبيّض ويعشعش حتّى ينظر بأعينهم وينطق بألسنتهم ، فيكون نظر
وليّ الشيطان ومعاينته نظرة شيطانيّة ، ويكون كلامه ومنطقه من كلام إبليس
اللعين ، ولهذا ( من أصغى إلى ناطق فقد عبده ) كما ورد في الخبر الشريف .
فإن تكلّم عن الشيطان أو النفس الأمّارة بالسوء أو ممّن اتّخذ إلهه هواه ،
فإنّه عبد الشيطان والنفس والهوى ، وإن تكلّم عن اللّه‏ فقد عبد اللّه‏ سبحانه .
ثمّ حقيقة الجهاد الأكبر مع النفس الأمّارة بالسوء ، إنّما تتبلور فيما يكون
المجاهد في سبيل اللّه‏ من جنود رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، ولا يتمّ النصر في الجهاد الأكبر
إلاّ أن يتوجّه إلى ابتلاءات رسول اللّه‏ وأهل بيته ، وما جرى على ابنته فاطمة
الزهراء عليهاالسلام من غصب فدكها وحرق دارها وشهادة محسنها عليه‏السلام بين الحائط
والباب ، وما جرى على أمير المؤمنين عليه‏السلام من غصب الخلافة وقوده إلى المسجد
وشهادته في المحراب ، ثمّ التوجّه إلى مصيبة سيّد الشهداء التي هي أعظم
المصائب ، وأ نّه لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه‏ ، فما أعظم المصيبة وما أعظم
الرزيّة ؟ !
« لقد عظمت الرزيّة وجلّت وعظمت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل
الإسلام ، وجلّت وعظمت مصيبتك في السماوات على جميع أهل السماوات ،
فلعن اللّه‏ اُمّةً أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ، ولعن اللّه‏ اُمّة دفعتكم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأنعام : 121 .
من وحي الزيارة الفاطميّة ••• (111)
--------------------------------------------------------------------------------
عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم اللّه‏ فيها ، ولعن اللّه‏ اُمّةً قتلتكم ،
ولعن اللّه‏ الممهّدين لهم بالتمكين من قتالكم ... »(1) .
ثمّ سيّد الشهداء عليه‏السلام بواقعة الطفّ الأليمة في يوم عاشوراء فضح جنود
الجهل والكفر والنفاق ، وما كان في يوم السقيفة وما عليه يزيد اللعين وأتباعهم
وشيعتهم إلى يوم القيامة ، فكلّ من يأتي من بعده إمّا أن يكون في نهجه ودينه الذي
هو دين الأنبياء والأوصياء ، دين اللّه‏ الأعظم ، أو يكون في معسكر يزيد الذي
جسّد الجهل وجنوده والكفر والنفاق والضلال ، فإمّا أن يكون مع الحقّ أو يكون
مع الباطل ، فهو بين ولايتين : ولاية الرحمن وولاية الشيطان ، فإمّا شاكرا وإمّا
كفورا ... وكلّ هذا يتجلّى في عاشوراء وفي زيارة عاشوراء ، وكلّ يوم عاشوراء
وكلّ أرض كربلاء ، وإذا برز الشرك والكفر كلّه للإيمان والإسلام كلّه في يوم
الخندق وغزوة الأحزاب في براز عمرو بن ودّ العامري وأمير المؤمنين عليّ
المرتضى عليه‏السلام ، فإنّه برز النفاق كلّه للإيمان كلّه في يوم عاشوراء وفي أرض
كربلاء ، فإنّ النفاق بعد رحلة النبيّ تفشّى بين المسلمين حتّى آل الأمر إلى تزلزل
الإسلام حتّى في ظواهره ، ورجوع القوم إلى القهقرى وإحياء النعرات الجاهليّة
مرّةً اُخرى ، فإذا قالوا في مرض النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله حينما قال لهم : « ائتوني بدواة
وقرطاس أكتب لكم فلن تضلّوا بعدي أبدا » : إنّ الرجل ليهجر ، وحسبنا كتاب اللّه‏ ،
فإنّه بعد خمسين عاما قالوا :
لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل يعني أرادوا خرق ظاهر الإسلام أيضا ، وإنكار الوحي والقرآن الكريم ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من زيارة عاشوراء المشهورة ، مفاتيح الجنان : قسم الزيارات .
(112) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فمقصود الرجل « إنّ الرجل ـ أي النبيّ ـ ليهجر » ، وقول يزيد : « لا خبرٌ جاء
ولا وحيٌ نزل » ، واحد ، إلاّ أنّ الأوّل لظروفه الخاصّة والنفاق المبطّن قال :
« حسبنا كتاب اللّه‏ » ، وهذا لتفشّي النفاق وبروز الكفر ، قال : « لا خبرٌ جاء
ولا وحيٌ نزل » وكلا القولين يدلاّن على الكفر المبطّن ، فتدبّر .
ثمّ قد جمع إبليس وجنوده من الجنّ والإنس قواهم في التاريخ ، بكلّ
مظاهر الكفر والنفاق ، منذ هبوط آدم صفوة اللّه‏ على الأرض وإلى يوم عاشوراء ،
فبرزوا جميعا لحرب خاتم النبيّين وسيّد المرسلين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ولعترته الأئمّة
الأطهار عليهم‏السلام ، فكان من ملكوت عاشوراء وتأويله حضور كلّ الحقّ والحقّ كلّه ،
والصراع بينه وبين الباطل كلّه وكلّ الباطل ، فقتل سيّد الشهداء وأهل بيته
الأطهار عليهم‏السلام لينتصر الدم على السيف ، فبكته كلّ العوالم لعظمة المصيبة والرزيّة
والابتلاء ... فلم يبقَ للدفاع عن الإسلام وحفظه وديمومة حياته ، إلاّ ثار اللّه‏
وابن ثاره الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام فإنّه الوتر الموتور والفرد المذخور ،
ذخيرة اللّه‏ ورسوله النبيّ المصطفى صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لحفظ الإسلام وبقائه واستقامته « إن
كان دين محمّدٍ لم يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني » . فكان البراز والنضال
في عاشوراء الحسين عليه‏السلام بين صفنين ومعسكرين : الصنف والمعسكر
الرحماني الذي يتجلّى بابن بنت رسول اللّه‏ وريحانته وسبطه سيّد الشهداء الإمام
الحسين عليه‏السلام ، والصنف والمعسكر الشيطايني الذي يتمثّل بيزيد وبني اُميّة
والمنافقين آنذاك ، فالأوّل من فعل اللّه‏ سبحانه ، والثاني فعل الشيطان ، وإنّ الأوّل
يستحقّ الولاء والسلام ، كما أنّ الثاني يستحقّ اللعن والتبرّي ، وكلّ التاريخ
البشري منذ آدم إلى يوم القيامة ، إمّا أن يكون في معسكر الحقّ فيستحقّ السلام
والمحبّة والتولّي ، أو يكون في معسكر الباطل فيستحقّ اللعن والبغض والتبرّي ،
من وحي الزيارة الفاطميّة ••• (113)
--------------------------------------------------------------------------------
فإنّ اللعن شعار التبرّي كما أنّ السلام شعار التولّي ، ومقدّمة كلّ إيجاب الرفض ،
كما في كلمة التوحيد ( لا إله إلاّ اللّه‏ ) فلا بدّ أوّلاً من رفض الآلهة كلّها ثمّ الاعتقاد
باللّه‏ سبحانه ، وكذلك في النبوّة والإمامة ، فلا بدّ من رفض من يدّعي النبوّة كذبا
كمسيلمة الكذّاب ، وكذلك يجب رفض خلفاء الجور أوّلاً ، ولعنهم والتبرّي منهم ،
ثمّ التولّي لأولياء اللّه‏ وأئمّة الهدى عليهم‏السلام ـ والاختلاف هذا في الرتبة لا في
الزمان ـ فيوم عاشوراء حلقة وصل بين التراث النبويّ والولوي ـ من آدم إلى
الخاتم عليهم‏السلام ـ وبين الأجيال المسلمة إلى يوم القيامة ، أجل إنّها حرب بين الحقّ
والباطل ، ولن ينتهي الصراع العقائدي والرسالي إلى يوم القيامة « يا أبا عبد اللّه‏ إنّي
سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم إلى يوم القيامة »(1) .
واللعن لغةً بمعنى الطرد عن الرحمة الإلهيّة ، فإنّ أوّل من طرد وكان رجيما
هو إبليس ، وذلك لمّا أبى عن الخضوع لآدم بعد أمر اللّه‏ بالسجود له ، فأبى واستكبر
وكان من الكافرين ، فلعنه اللّه‏ وطرده عن رحمته ، واللعن من مصاديق الدعاء
أيضا ، فهو من الدعاء عليه . والدعاء مخّ العبادة ، ومفتاح كلّ صلاح وفلاح ، كما
أ نّه من فلسفة خلقة الإنسان ، فإنّ الدعاء إمّا أن يكون له أو عليه ، فلمثل وليّ اللّه‏
يكون الدعاء له ، وأمّا لعدوّ اللّه‏ فإنّ الدعاء يكون عليه ، فإنّ المؤمن يتقرّب إلى اللّه‏
سبحانه بالدعاء مطلقا ، تارةً بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، واُخرى بالدعاء على
الظالمين والطغاة ، ومنه اللعن فقولنا : « اللهمّ العن شمرا » أي أبعده عن رحمتك لما
فعل من الظلم والجور في حياته .
ثمّ اللعن في قصّة عاشوراء الحسيني ، لا يختصّ بمن حضر كربلاء وحارب
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مفاتيح الجنان : زيارة عاشوراء .
(114) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه‏السلام ، بل لاُميّة جميعا التي أسّست أساس الظلم
والجور ، ولكلّ اُولئك الذين جاهدوا الحسين وشايعوا وبايعوا وتابعوا على قتله ،
بل ومن رضى بقتله عملاً ، باتّباعه خلفاء الجور وأئمّة الضلال على طول التاريخ
الإسلامي من بعد رحلة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وإلى يومنا هذا وغدا « يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ
اُ نَاسٍ بِإمَامِهِمْ »(1) .
ولا يخفى أنّ ما جرى في يوم عاشوراء وفي أرض كربلاء من القتل والأسر
والمصائب والبلايا ، إنّما هو نتيجة مقدّمتين ـ كما في زيارة عاشوراء الخالدة ـ
نستنبط منهما نفاق الاُمّة وغفلتهم فكانوا « كَالأ نْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ »(2) .
الاُولى : لعن اللّه‏ اُمّةً أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت .
والثانية : ولعن اللّه‏ اُمّةً دفعتكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم اللّه‏ فيها .
والنتيجة : ولعن اللّه‏ اُمّةً قتلتكم ( بل ) ولعن اللّه‏ الممهّدين لهم بالتمكين من
قتالكم .
فإنّ خلفاء الجور مهّدوا الطريق منذ اليوم الأوّل لقتل سيّد الشهداء وواقعة
الطفّ ويوم كربلاء كما تشير سيّدتنا زينب الكبرى عليهاالسلام لذلك .
فلا بدّ لكلّ مؤمن رسالي أن يتبرّأ منهم ويلعنهم على مرّ التاريخ ، فإنّ اللعن
شعار البراءة من أعداء اللّه‏ ، ومن ثمّ يتولّى أولياء اللّه‏ فيصلّي ويسلّم عليهم ، فإنّ
السلام والصلوات شعار الولاية لأولياء اللّه‏ ، وهذا الاختلاف الرتبي إنّما يتجلّى
بوضوح في ( زيارة عاشوراء ) فإنّه قُدّم اللعن والتبرّي أوّلاً ثمّ التولّي والسلام
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الإسراء : 71 .
(2) الفرقان : 44 .
من وحي الزيارة الفاطميّة ••• (115)
--------------------------------------------------------------------------------
ثانيا ، ليكون مقدّمة ( التحلية ) بالفضائل والسجايا الكريمة والسلامة من الفواحش
( التخلية ) من الرذائل والقبائح والذنوب ـ كما في علم الأخلاق فإنّ مراحل
تهذيب النفس ثلاثة : التخلية والتحلية والتجلية ـ .
فعاشوراء الحسيني خلاصة التاريخ الإنساني ، وإنّه يتجدّد ويتبلور في كلّ
عصر ومصر بما يتناسب مع الزمان والمكان من مظاهر الحزن والآلام وعِظم
المصيبة والرزيّة والابتلاء ، إلاّ أنّ صرخة الجميع وهتافات الكلّ على مرّ التاريخ ،
فإنّ وجود الكلّ وكلّ الوجود ينادي ويصرخ ( يا حسين ) ...
اللهمّ اشهد أ نّا مع سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه‏السلام عقيدةً وجهادا ،
فكرا وسلوكا ، شعورا وشعارا ، ولاءً وفداءً ، نقيم مآتمه ونتفاعل مع مصائبه في
مواكبنا ، بكلّ مظاهر الحزن والمصيبة في كلّ محرّم وصفر من كلّ عامّ ، أجل لقد
أجنّنا حبّ الحسين عليه‏السلام ، وإنّ شعارنا مع وليّه والطالب بدمه إمامنا المنتظر
الحجّة الثاني عشر عليه‏السلام ( يا لثارات الحسين ) يا لثارات أولاد الحسين وأصحابه ،
يا لثارات اُمّه فاطمة الزهراء الصدّيقة الكبرى الشهيدة الصابرة ، وسيعلم الذين
ظلموا آل محمّد عليهم‏السلام أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتّقين ، وآخر دعوانا أن
الحمد للّه‏ ربّ العالمين .


(116) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وميض من نور الزهراء عليهاالسلام (1)
لقد أخبرنا اللّه‏ سبحانه في كتابه الكريم أنّ مقصوده من الخلق وفلسفة
الحياة ، وسرّ عالم التكوين والهدف من الكائنات والممكنات إنّما هو العبادة
ومعرفته سبحانه وتعالى ، ومن ثمّ معرفة النفس الإنسانيّة وحقيقة الإنسان الذي
من أجله خُلق الخلق ليستخلف ربّ العالمين في أسمائه الحسنى وصفاته العليا
ويكون المحور في العالم التكويني والرابط الوجودي بين الربّ والكون .
فالمراد من الحياة مطلق المعرفة والمعرفة المطلقة ، بمعرفة النفس والربّ
والكون ، لتحقّق العبادة التشريعيّة التي تبتني على اختيار الإنسان ويكون حلقة
الوصل في العالم الملكي في قوسي النزولي والصعودي بين العوالم الملكوتيّة
النوريّة السابقة على الدنيا من العالم الأعلى والعالي والداني(2) كعوالم الأنوار
والأرواح والأشباح والذرّ المسمّى بعالم الميثاق وبين العوالم الملكوتيّة اللاحقة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) اقتباس من بيان شيخنا الاُستاذ آية اللّه‏ العظمى الشيخ وحيد الخراساني دام ظلّه بمناسبة
ذكرى شهادة الصدّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام وأيّام الفاطميّة الثانية لسنة 1424 ه ق .
(2) ثمّ الأدنى ومؤنّثه الدنيا كالأصغر والصغرى .
(117)
--------------------------------------------------------------------------------
كعوالم القبر والبرزخ ويوم القيامة ونعيم الجنّة أو جحيم النار .
ولا تتمّ هذه المعارف ـ لا سيّما معرفة اللّه‏ سبحانه ـ إلاّ من طريق الوحي
والتنزيل ، وأنّ مشاعل العقول تخفت أمام كبريائه وعظمته ، وما أفكار البشر في
ساحة قدسه وذاته وصفاته وأفعاله ، إلاّ أوهام مردودة « كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم
في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم »(1) .
والمصباح المنير الذي ينير درب السالكين إلى نور الأنوار و « نُورُ
السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ »(2) إنّما ذلك المشكاة القلبي الذي استضاء بنور الوحي بكتابه
المنزل عليه .
« كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّـلُمَاتِ إلَى النُّورِ »(3) .
وأمّا الإنسان الذي لم يكن شيئا مذكورا ، فخلقه اللّه‏ ونفخ فيه من روحه
ليكون روح العالم باستخلافه أسماء اللّه‏ وحمله العلم الإلهي ، فعلّمه ما لم يعلم ،
وأعطاه السمع ليصغي إلى آياته الشريفة السمحاء ، ومنحه البصر ليرى آيات
الحكمة الغرّاء ، وخلقه من نطفة أمشاج ليبتليه ، ومن ماءٍ مهين ليصل بعبادته
ومعرفته ويقينه ، ويعلم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين إلى قاب قوسين أو أدنى .
« فَـتَبَارَكَ اللّه‏ُ أحْسَنُ الخَالِقِينَ »(4) .
ولا يبلغ الإنسان مناه ، ولا تتيسّر له عبادته ، ولا تتمّ معرفته إلاّ بتزكية
--------------------------------------------------------------------------------
(1) بحار الأنوار 66 : 293 .
(2) النور : 35 .
(3) إبراهيم : 1 .
(4) المؤمنون : 14 .
(118) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وتعليم من ربّه ، وبدين القيّمة النازل من عليٍّ عظيم ، بتشريع منه وتبليغٍ من أنبيائه
ورسله عليهم‏السلام ، ليدعو الناس إلى التوحيد ويقيموا القسط ، ويهدوهم إلى صراط
مستقيم .
فالغرض من الخلق وثمرة البعثة إنّما هي العبادة والمعرفة ونيل سعادة
الدارين المتبلورة بدين اللّه‏ الحنيف ، وبعثة الأنبياء ونزول الكتب وقد تكاملت
الشرائع السماويّة وختمت الرسالات الإلهيّة بخاتم الأنبياء وسيّد المرسلين
محمّد بن عبد اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فإنّه الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل .
« فَأقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا فِطْرَةَ اللّه‏ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا »(1) وكمل
دين الإسلام المبين بولاية أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام والخلفاء من بعده الأئمة
الأحد عشر خاتمهم المهدي من آل محمّد عليهم‏السلام .
« اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ
دِينا »(2) .
فكان النبيّ الأعظم مدينة العلم وعليّ بابها(3) ، فمن أراد مدينة المعرفة
والعلم والعبادة والحكمة فليأتها من بابها ، إذ لا طريق للمدينة النبويّة الإلهيّة التي
جمعت علوم الأوّلين والآخرين إلاّ من هذا الباب العلوي ، فإنّه الصراط المستقيم ،
والنبأ العظيم ، وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وباب اللّه‏ الذي منه يؤتى ، والسبب
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الروم : 30 .
(2) المائدة : 3 .
(3) قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، عيون أخبار الرضا 2 : 66 ،
والمستدرك على الصحيحين 3 : 126 .
وميض من نور الزهراء ••• (119)
--------------------------------------------------------------------------------
المتّصل بين الأرض والسماء ، وعصمة اللّه‏ من الخطأ والهوى ، فمن أتاه نجى ، ومن
تخلّف عن إمامته وولايته غرق وهوى .
فسعادة الإنسان والبشريّة جمعاء في المعرفة وعبادة اللّه‏ من طريق
رسالات السماء المتمثّلة بالنبوّة العظمى وديموميّتها إلى يوم القيامة بالإمامة
الكبرى .
ثمّ حلقة الوصل لكلّ الاُمّة إلى يوم المعاد بين النبوّة والإمامة ليست
إلاّ سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام فإنّها جمعت بين نوري النبوّة والإمامة ،
فهي من صلب رسول اللّه‏ النبيّ الأعظم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وزوجة وليّ اللّه‏ أمير المؤمنين
عليّ عليه‏السلام ، واُمّ الأئمّة النجباء الأحد عشر عليهم‏السلام ، ومنها المهدي الموعود
المنتظر عليه‏السلام ليملأ الأرض قسطا وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجورا . فأصلها ثابت
وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها .
فكانت فاطمة الزهراء مشكاة أنوار اللّه‏ من آدم إلى الخاتم ، ومن سيّد
الوصيّين إلى خاتمهم صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين ، وكانت ليلة القدر الذي فطم
الخلق عن معرفتها ، ولم يعرف قدرها وجهل حقّها .
ولأيّ الاُمور تُدفن ليلاً بضعة المصطفى ويُعفى ثراها
بنت من ، اُمّ من ، حليلة من ويلٌ لمن سنّ ظلمها وأذاها
وقد اعترف الموافق والمخالف حتّى اُولئك الذين أخدشوا في الروايات
الواردة في فضائل أهل بيت العصمة عليهم‏السلام أنّ الذي لا ينطق عن الهوى رسول اللّه‏
الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قال في حقّها : « فإنّما هي ـ فاطمة ـ بضعة منّي يُريبني ما أرابها ،
ويؤذيني ما آذاها »(1) ، وقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني »(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) و (2) صحيح البخاري 4 : 210 .
(120) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فكانت فاطمة الزهراء بضعة إنّية المصطفى ، وقطعةً مباركةً من أوّل ما خلق ،
وأفضل من نطق ، واسم اللّه‏ الأعظم في الأسماء الحسنى ، والمثل الأعلى في
الأمثال العليا ، ومن آذاها وأغضبها فقد آذى رسول اللّه‏ وأغضبه ، ومن أغضب
رسول اللّه‏ وآذاه فقد أغضب اللّه‏ وآذاه ، ومن آذى اللّه‏ ورسوله فعليه لعنة اللّه‏
والملائكة والناس إلى يوم القيامة ، فمن أغضب فاطمة الزهراء وآذاها بعد رحلة
أبيها ؟ !
قال اللّه‏ تعالى في كتابه الكريم :
« إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه‏َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه‏ُ فِي الدُّ نْيَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ
عَذَابا مُهِينا »(1) .
وقد ثبت عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ أنّ الرسول الأعظم قال لفاطمة
الزهراء : « إنّ اللّه‏ يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ »(2) .
وما دلالة هذه المقولة النبويّة إلاّ على عصمة الزهراء عليهاالسلام ، لاتحاد الغضب
الفاطمي مع الغضب الإلهي مطلقا ، وكذلك الرضا الإلهي مع الرضا الفاطمي على
نحو الإطلاق .
فكانت فاطمة موضع سرّ اللّه‏ ، ومشرق أنوار نجوم سماء الولاية والإمامة ،
ومخزن أسرار كتاب الهداية والسعادة .
« فِيهَا يُـفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 57 .
(2) أمالي الطوسي : 327 ، والمستدرك على الصحيحين 3 : 154 .
(3) حم : 4 .
وميض من نور الزهراء ••• (121)
--------------------------------------------------------------------------------
ورأى الرسول في ليلة معراجه كتب على باب الجنّة : « فاطمة خيرة
اللّه‏ »(1) .
وقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : « وابعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها ، وتبعث فاطمة
أمامي »(2) ، فكانت بهجة قلب المصطفى وقرّة عينه ، ونوره الذي يسعى بين يديه ،
يوم « يَسْعَى نُورُهُمْ بَـيْنَ أيْدِيهِمْ »(3) ، « فأوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة »(4) ،
« زارك آدم ومن دونه من النبيّين »(5) .
و « لَقَدْ مَنَّ اللّه‏ُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أنْفُسِهِمْ »(6) .
ولهذا الرسول الأعظم أعطى اللّه‏ الكوثر فاطمة الزهراء .
« إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَـرَ »(7) .
إلاّ أنّ هذا الكوثر الإلهي قد كسر ضلعها وغصب حقّها ، واُسقط جنينها
شهيدا ، و « صارت كالخيال »(Cool وكانت تقول :
« صبّت عليّ مصائب لو أ نّها صُبَّت على الأيام صرن لياليا »(9)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) تاريخ بغداد 1 : 274 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 : 153 .
(3) الحديد : 12 .
(4) ميزان الاعتدال 2 : 131 .
(5) تفسير فرات الكوفي : 446 .
(6) آل عمران : 164 .
(7) الكوثر : 1 .
(Cool دعائم الإسلام 10 : 332 .
(9) بحار الأنوار 79 : 106 .




(122) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
ختامه مسك
وحبّذا أختم كتابي هذا بما أورده العارف باللّه‏ المحقّق آية اللّه‏ الميرزا
جواد الملكي التبريزي في كتابه القيّم ( المراقبات : 61 في أعمال ومراقبات
شهر جمادى الآخرة ) فقال :
وفي اليوم الثالث منه اتّفق وفاة سيّدة النساء صلوات اللّه‏ عليها(1) ،
بل الصحيح أ نّه يوم شهادتها فإنّها ـ صلوات اللّه‏ عليها ـ مضت مقتولة مظلومة
مغصوبة ( حقّها ) ، فعلى شيعتها من أهل الوفاء أن يقدّروا هذا اليوم من أ يّام
الأحزان والمصائب ، فإنّ يومها كان ثاني اثنين ليوم رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله على أهلها ،
لم يرَ لأمير المؤمنين صلوات اللّه‏ وسلامه عليه بعد وفاة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يوم أشدّ
مصيبة وأجلّ رزءا وأعظم نائبة منه ، واشتدّ عليه شأن(2) هذا اليوم حيث أظهر فيه
أمرا عظيما من المواجد والأحزان وجعل يرثيها ، ويندب عليها ، ويشتكي
--------------------------------------------------------------------------------
(1) إقبال الأعمال 3 : 161 .
(2) في الأصل : بيان هذا اليوم .
(123)
--------------------------------------------------------------------------------
فراقها(1) ويقول :
نفسي على زفراتها محبوسةٌ يا ليتها خرجت مع الزَّفراتِ
لا خير بعدك في الحياة وإنّما أبكي مخافة أن تطول حياتي(2)
وروي عنه عليه‏السلام أيضا أ نّه قال أشعارا مفجعةً من جملتها :
وإنّ افتقادي فاطما بعد أحمدٍ دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ
وكيف هنأك العيش من بعد فقدهم لعمرك شيء ما إليه سبيلُ
يريد الفتى أن لا يموت خليله وليس إلى ما يبتغيه سبيلُ(3)
ولعمري إنّ هذه الأشعار وما طوينا ( عن ) ذكره ، من شعره ونثره في ذلك
أمرٌ عظيم من أمير المؤمنين عليه‏السلام يبهر العقول ويكشف عن عظم مقامها وفضلها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) روى الشيخ المفيد في ( أماليه ) : 281 ، الحديث 7 ، والشيخ الطوسي في ( أماليه ) 1 :
107 بأسنادهما إلى عليّ بن محمّد الهرمزاري عن الإمام زين العابدين عن أبيه عليهماالسلام ـ في
حديث ـ أنّ أمير المؤمنين عليه‏السلام دفن فاطمة عليهاالسلام ليلاً وعفى موضع قبرها حسب وصيّتها
فلمّا نفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى
قبر رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فقال : السلام عليك يا رسول اللّه‏ ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك ،
وقرّة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقيعك ـ إلى أن قال : ـ
يا رسول اللّه‏ أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، لا يبرح الحزن من قبلي أو يختار اللّه‏
لي الدار التي فيها أنت مقيم ... » عنهما البحار 43 : 210 ، الحديث 40 .
وأورده في دلائل الإمامة : 47 ؛ بشارة المصطفى : 318 .
(2) البحار 43 : 213 ، الحديث 44 بإسناده إلى الحاكم عن بعض كتب المناقب القديمة ؛
عوالم العلوم ( عوالم فاطمة عليهاالسلام ) 11 : 530 ، الحديث 2 . (3) البحار 43 : 216 ، الحديث 48 عن الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‏السلام ؛ عوالم
العلوم ( عوالم فاطمة عليهاالسلام ) 11 : 531 ، الحديث 2 .
(124) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
عند اللّه‏ ، فإنّ وجده في هذا الأمر مع كونه في الصبر كالجبل الشامخ لا تحرّكه
العواصف ، ولا يزيله القواصف ، ينحدر عنه السيل ، ولا يرقى إليه الطير ، من
أعجب العجائب كيف ولو لم يكن فضيلتها في الدرجة العليا التي يحسن فيها
الجزع لم يكن يظهر منه عليه‏السلام هذا الجزع العظيم .
فكيف كان فلشيعته ـ صلوات اللّه‏ عليه ـ التأسّي به في إظهار الحزن
والكآبة ، وإقامة المأتم في يوم وفاتها ، وقراءة مصائبها ، فإنّها واحدة أبيها صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وحبيبته التي ( كان ) يعامل معها معاملة لا يعامل مع أحد من الناس .
وروى المخالف والمؤالف قوله فيها : « فاطمة بضعةٌ منّي من آذاها فقد
آذاني »(1) وبذلك احتجّت حين وفاتها على الأوّل والثاني بعد أخذ الإقرار منهما
--------------------------------------------------------------------------------
(1) روى هذا الحديث من الفريقين بأسانيد معتبرة وطرق متعدّدة لا يشكّ فيها عاقل ، نقتطف
منها ما يلي :
روى مسلم في صحيحه 7 : 141 في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة بنت
محمّد عليهما الصلاة والسلام بالإسناد إلى المسور بن مخرمة قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله :
« إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها » وذكره الفخر الرازي في تفسيره ، في تفسير
آية المودّة ( 23 ) في سورة الشورى . وروى الترمذي في سننه 2 : 319 بإسناده إلى عبد اللّه‏
ابن الزبير قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : « إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني
ما أغضبها » . ورواه الحاكم في مستدركه 3 : 159 ؛ وأحمد في مسنده 4 : 5 . كما ورد هذا
الحديث باختلاف يسير في الألفاظ في المصادر التالية :
صحيح البخاري 7 : 47 في كتاب النكاح ، في باب ذبّ الرجل عن ابنته ؛ ومسند أحمد
4 : 328 ، حلية الأولياء 2 : 40 ، وغيرها . فمن أراد المزيد فليراجع كتاب « الفضائل
الخمسة من الصحاح الستّة » 3 : 184 ، باب في قول النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : « فاطمة بضعة منّي فمن
أغضبها أغضبني » .
ختامه مسك ••• (125)
--------------------------------------------------------------------------------
على أ نّهما سمعا ذلك عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، قالت وهي رافعة يديها : « اللهمّ اشهد
أ نّهما آذياني » وأوصت لعليّ عليه‏السلام أن يخفي دفنها وقبرها عنهما(1) .
ولعمري إنّ هذه الوصيّة منها ـ صلوات اللّه‏ عليها ـ مجاهدة ونصرة لدين اللّه‏
الحقّ ، أنفع في إثبات مذهب الشيعة ، وإبطال مذهب العامّة ، من كلّ آية
وبرهان كيف واختفاء دفنها وقبرها شيء لا يخفى مدى الدهر ، ومتى سئل
عن سببه ، وظهر أنّ ذلك إنّما صار من جهة وصيّتها ، يظهر منه كالشمس في
رابعة النهار أ نّها مضت ساخطة على الشيخين ، ولقيت أباها ومولاها شاكية
عنهما ، ذلك إنّما يلزم لهما شناعة ليس فوقها شناعة ، لا سيّما بملاحظة ما أنزل اللّه‏
في كتابه العزيز :
« قُلْ لا أسْأ لُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى »(2) .
وتأكيد هذا الحكم بقوله :
« قُلْ مَا سَأ لْـتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ »(3) .
ومضى رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وليس على وجه الأرض أقرب له من فاطمة سلام اللّه‏
عليها .
وكيف يشكّ العاقل في أنّ من خان رسول اللّه‏ في أجر رسالته ، لا يليق
--------------------------------------------------------------------------------
(1) راجع علل الشرائع 1 : 185 ، الحديث 2 ، عنه البحار 43 : 1 ـ 2 ، الحديث 31 . وقد روى
هذا الحديث باختلاف في البحار 43 : 171 ، الحديث 11 عن كتاب دلائل الإمامة ،
والصفحة 197 ، الحديث 29 عن كتاب سليم بن قيس الهلالي .
(2) الشورى : 23 .
(3) سبأ : 47 .
(126) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
أن يكون مأمونا في خلافته ، وأنّ من لم يراعه في قريبه ، كيف يراعيه في بعيده ؟
ومن ظلمه في ابنته كيف يعدل في اُمّته ؟ وهذا الأمر يعرفه العالم والجاهل ،
والخاصّ والعامّ لا سيّما أنّ فاطمة ـ سلام اللّه‏ عليها ـ نزلت في شأنها آية التطهير(1)
بإجماع الشيعة ، وبتصديق جماعة من أعيان مفسّري العامّة وعلمائهم(2) ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) « إنَّمَا يُرِيدُ اللّه‏ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا » الأحزاب : 33 .
(2) روى مسلم في صحيحه 7 : 130 ، في كتاب فضائل الصحابة ، في باب فضائل أهل
بيت النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بسنده عن صفيّة بنت شيبة قالت : قالت عائشة : خرج رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله غداة
وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل
معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ثمّ قال : « إنَّمَا يُرِيدُ اللّه‏ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا » ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 147 والبيهقي
في السنن 2 : 149 وابن جرير الطبري في تفسيره 22 : 5 وذكره السيوطي في الدرّ المنثور
6 : 605 ، في تفسير آية التطهير ( 33 ) في سورة الأحزاب . وذكره الزمخشري في الكشّاف
1 : 193 في تفسير آية المباهلة ( 16 ) في سورة آل عمران .
وقد روى الترمذي في سننه 2 : 319 بسنده عن اُمّ سلمة قالت : « إنّ النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله جلّل على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساء ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي
وخاصّتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، فقالت اُمّ سلمة : وأنا معهم يا رسول اللّه‏ ؟
قال : إنّك على خير » ورواه الطبري في تفسيره 23 : 6 وأحمد في مسنده 6 : 306
وابن الأثير الجزري في اُسد الغابة 4 : 29 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب
2 : 297 .
وقد ورد الحديث بألفاظ اُخرى وأسانيد معتبرة فمن أراد التفصيل فليراجع : الدرّ
المنثور 6 : 603 ـ 607 . فضائل الخمسة من الصحاح الستّة 1 : 270 ، باب في آية التطهير
نزلت في النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين .
ختامه مسك ••• (127)
--------------------------------------------------------------------------------
فلا يمكن لمن ظلمها ، وغصب حقّها التعلّل ـ في إيذائها ـ بوجه صحيح شرعيّ ،
بعد تصديق محكم الكتاب طهارتها ، وإيجاب مودّتها .
يا أهل العالم ابكوا على هذه القطعيّة الفجيعة الفظيعة بالنسبة إلى الرسول
الكريم الأكرم والنبيّ الرؤوف الأرحم ، في بضعته الطاهرة ، وكريمته المطهّرة
غصبوا حقّها ، وأخذوا نحلتها ، ومنعوها من إرث أبيها ، ولطموا وجهها ، وأسقطوا
جنينها ، وأكفان رسول اللّه‏ طريّة ، ودعوا بالنار على إحراق بابها الذي طالما وقفت
الملائكة المقرّبون عليه لطلب الإذن بالدخول .
وكيف كان فللشيعة أن يعامل معها صلوات اللّه‏ عليها في هذا اليوم من
الزيادة والصلوات ما يرضي الرسول ، ويرتضيه ربّ فاطمة البتول ـ سلام اللّه‏
عليها ـ ويلزمه حقّ التشيّع .
ويوم العشرين منه يوم ولادة فاطمة ـ صلوات اللّه‏ عليها ـ على رواية
الشيخ المفيد ـ رضوان اللّه‏ عليه ـ قال :
يوم العشرين منه مولد السيّدة الزهراء ـ صلوات اللّه‏ عليها ـ سنة اثنين من
المبعث ، وهو يوم شريف يتجدّد فيه سرور المؤمنين ، ويستحبّ صيامه والتطوّع
فيه بالخيرات والصدقات(1) .
أقول :
ويقدّر تعظيم هذا اليوم بمقدار عظمها ، فإنّها المعظّمة عند اللّه‏ جلّ جلاله ،
وعند الملائكة الأطهار ، وأولياء الجبّار ، وقد وردت في صحيح الأخبار أ نّها سيّدة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) إقبال الأعمال 3 : 162 ؛ عنه البحار 98 : 375 ، الحديث 3 .
(128) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نساء العالمين ، ومريم ـ صلوات اللّه‏ عليها ـ سيّدة نساء عالمها(1) ، فثبت بذلك
سيادتها لمريم الصدّيقة بتصديق القرآن العظيم ، بل جزم جمع من أعاظم العلماء
أ نّها أشرف من سائر الأنبياء والمرسلين ، ولعمري إنّ هذا لهو الفضل المبين .
ومن جملة ما وردت إلينا بالطريق القطعيّ من فضائلها التي اختصّت بها من
جميع نساء العالمين ، أنّ لها مصحفا كبيرا جليلاً جاء به جبرئيل بعد وفاة النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وكتبه أمير المؤمنين عليه‏السلام ، وهو عند أولادها المعصومين عليهم‏السلام وفيها علم ما كان
وما يكون وما هو كائن كما في رواية ثقة الإسلام عن الصادق عليه‏السلام (2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) روى الشيخ الصدوق في ( معاني الأخبار ) : 107 ، الحديث 1 بالإسناد إلى المفضّل ،
قال : « قلت لأبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام في فاطمة عليهاالسلام : إنّها سيّدة نساء العالمين ، أهي سيّدة نساء
عالمها ؟ فقال : ذاك لمريم ، كانت سيّدة نساء عالمها . وفاطمة سيّدة نساء العالمين من
الأوّلين والآخرين » . ورواه في دلائل الإمامة : 54 4 وروضة الواعظين : 180 .
(2) الكافي 1 : 241 ، الحديث 5 بالإسناد إلى أبي عبيدة قال : « سأل أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام بعض
أصحابنا عن الجفر ، فقال : هو جلد ثور مملوء علما ـ إلى أن قال : ـ قال : فمصحف
فاطمة عليهاالسلام ؟ قال : فسكت طويلاً ثمّ قال : إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لاتريدون ! إنّ
فاطمة عليهاالسلام مكثت بعد رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله خمسة وسبعين يوما ، وكان دخلها حزن شديد على
أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها
ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها ، وكان عليّ عليه‏السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف
فاطمة عليهاالسلام » . عنه البحار 43 : 194 ، الحديث 22 .
ورواه في بصائر الدرجات : 153 ، الحديث 6 عنهما البحار 43 : 79 ، الحديث 67 .
وقد وردت روايات كثيرة عن مصحف فاطمة ، فمن أراد المزيد فليراجع بصائر
الدرجات : 150 ، الباب 14 ، دلائل الإمامة : 27 .
ختامه مسك ••• (129)
--------------------------------------------------------------------------------
وبالجملة روى المخالف والمؤالف في فضائلها أخبارا يملأ مجلّدات كبيرة
لا يحتملها هذا المختصر ، وفيما ذكرناه كفاية « لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ أ لْقَى السَّمْعَ
وَهُوَ شَهِيدٌ »(1) ولو لم يكن من فضائلها إلاّ ما وردت من شفاعتها لمحبّيها ومحبّي
ذرّيّتها بل ومحبّي محبّيها ، لكفى الشيعة في إثبات حقّ تعظيمها ، وتعظيم ولادتها ،
بقدر الوسع والطاقة ، والاعتراف بعد ذلك بالقصور ، فإنّ بعض الحقوق لا يؤدّى
وإن بلغ المجهود غايته .
ومن مهمّات العمل في هذا اليوم زيارتها ، والصلوات عليها ، ولعن
ظالميها(2) ويختم يومه بما يختم به أمثاله .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ق : 37 .
(2) إقبال الأعمال 3 : 164 ؛ عنه البحار 100 : 199 ـ 201 ، الحديث 2 .

(130) ••• فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
المحتويات
محاضرة ليلة القدر الاُولى ••• 3
محاضرة ليلة القدر الثانية ••• 20
الصراط المستقيم ••• 24 محاضرة ليلة القدر الثالثة ••• 34
في ظلال تفسير وتأويل آية النور ••• 34
تفسير مفردات آية النور ••• 38
التفسير الروائي ••• 52 المشكاة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ••• 59
المحاضرة الرابعة ••• 63 من خواصّ آية النور ••• 64
بلاغة القرآن المجيد ••• 65
السرّ في مشكاتيّة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ••• 66
اللطيفة الاُولى ••• 66 لماذا فاطمة الزهراء عليهاالسلام مشكاة الأنوار ••• 68
(131)
--------------------------------------------------------------------------------
فاطمة الزهراء روح النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ••• 69
الإسلام دين العلم والعمل ••• 71
أمير المؤمنين عليه‏السلام جلالة الفقه ••• 71
فاطمة الزهراء عليهاالسلام حُسن اللّه‏ ••• 72
فاطمة الزهراء عليهاالسلام اُمّ المحاسن ••• 75
اللطيفة الثانية ••• 76 الاستدلال بسورة القدر على الإمامة ••• 78
ومضة من الاستدلال على خلافة أمير المؤمنين عليه‏السلام ••• 78
من أوصاف الزهراء عليهاالسلام ••• 80
الشهادات الأربع في الأذان والإقامة ••• 81 فاطمة الزهراء عليهاالسلام اُسوة وقدوة ••• 91
من وحي الزيارة الفاطميّة ••• 96
وميض من نور الزهراء عليهاالسلام ••• 117 ختامه مسك ••• 123
المحتويات ••• 131
يتيم فاطمة
يتيم فاطمة
Admin

عدد المساهمات : 161
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
العمر : 44
الموقع : منتدى دمعة فاطمة - منتديات حب فاطمة

https://fatima.3oloum.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى